في تلك الليلة الخريفية المميزة إستوقفت المشروع من على البحر ألتمس فيه مقعدًا وجدته شاغرًا ، فدخلت محنيا ظهري ويدي تحمل الحقيبة والأخرى في جيبي تلتقط عملة بصعوبة هي أجر تلك المساحة الضيقة "واحد سموحة يا أسطى" ، وما أن أستقر وضعي حتى وضعت السماعات في أذني وأخذت أبحث عما يناسب تلك اللحظة.
تستعيد معي لحظات الليل وخاصة في الخريف أحاسيس تناسبها موسيقى الجاز أو الأغاني الفرنسية الهادئة وما ضاعف من تلك الأحاسيس الجلسة التي كنت فيها قبل دقائق التي وصلت لإستنتاج تشاؤمي خطير بشأن أوضاع البلاد.
كل شيء في الداخل يبدو أزرق لون الإضاءة التي إختارها السائق لمركبته ، أشعر أنني مختلف تلك الأيام وأرى الأشياء بعين أخرى ، كما إستطعت مؤخرا أن أتخذ قرارات طالما عجزت عنها مما وضعني في درجة من الإندهاش.
وجدت الآن ما قررت سماعه
أغمضت عيني أحاول أن أستمتع وأستفيق من جرعة الكآبة تلك ، وأهتزت رأسي مع الموسيقى بخلاف الهزة الجمعية التي يحدثها السائق عندما يفرمل.
في الثوان التي تفصل بين المقاطع الموسيقية ، في فترة الهدوء القصيرة تلك جال بعقلي خاطر ، أيهما يبدو أكثر ضبابية هل هو مستقبلي أو مستقبل البلاد كافة؟ خاصة بعد أحداث ماسبيرو من ناحية وإستدعائي للخدمة العسكرية من ناحية أخرى. ومعاناتي مع سوء الحظ وسوء المستوى الذي أدى بي إلى سوء مستوى الوساطة حتى قررت اللجنة الميمونة أن أخدم البلاد ضابطًا.
وبدأت الأغنية الثانية
كررت محاولات الإستمتاع مجددًا حتى صرخ أحد الجالسين "على جنب هنا يا أسطى" فيقطع السائق الطريق من أقصاه إلى أقصاه بمصاحبة أصوات إعتراض آلات تنبيه السيارات وأنوف راكبيها على حد سواء.
فتحت عيني متبرما "يادي الفصلان"
حتي إصطدمت عيناي بعيون المتجمعين على باب المشروع ليحظوا بذلك المكان الشاغر فوجهني ذلك للشعور بكوني محظوظ في تلك اللحظة.
وأبدأ في التركيز في الأغنية من جديد لأجدهم يقنعون طفلاً بترك البكاء ، فأبتسم إبتسامة عريضة وأطلب من السائق التوقف ، وأترك مكاني للمتنازعين وأستمتع بالموسيقى مترجلا وأصعد فوق الكوبري مع ندرة المترجلين وكثرة الراكبين.
وعندما وصلت إلى قمته عبرت إلى الجزيرة الوسطى الضيقة وأخرجت البيرة التي إشتريتها منذ قليل وفتحتها ورفعتها وسع ذراعي نخب الحياة قائلا "هعيشِك".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشروع: التسمية السكندرية للميكروباص