الاثنين، 25 نوفمبر 2013

ايها الديماجوجيون لكم أقول..



الديماجوجية بحسب تعريف ويكيبيديا هي إستراتيجية لإقناع الآخرين بالاستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة.
كانت ولاتزال وسيلة الأنظمة الفاشية والدينية للتشهير بالمعارضين على نحو يفتقد للموضوعية (لاحظ الصورة)


من هنا قررت المشاركة.

قطعتان نثريتان لبيرم التونسي على وزن آيات قرآنية.

“سورة السـتّـات”
(المصدر : محمد كامل البنا : بيرم كما عرفته، ومحمد العتر : ألحان مصرية، نقلا عن مجلة الجراد، القاهرة، يوليو 1994، ص107 وما بعدها)


“يا أيّها المحافظ إذا أبصرتم النّساء يقصّرن ملابسهنّ، ويبدين صدورهنّ، فأصدروا لهنّ منشورا، ألاّ يتخطّطن ويتحكّكن ويقوّرن الثّوب تقويرا. إنّما الأحمر والأبيض والكحل والأقلام زينة من عمل الشّيطان، وليست شيئا مشكورا. صنعة الله التي تعجب المتّقين من الرّجال، ولا يعجب الأحمر إلاّ رجلا غفيرا. وقـل للمتزوّجات يسترن أفخاذهنّ، ويغطّين سمانات أرجلهنّ، ولا يلبسن فستانا قصيرا. ذلك بأنّهنّ تزوّجن، ومن تتزوّج فقد فازت فوزا كبيرا. العانسات والأبكار يغسلن وجوههنّ، ويمشّطن شعورهنّ، ولا يضعن جبسا ولا جيرا. ليعلم الذين يخطبون ذات البعل وغير ذات البعل وكفى بذلك تفسيرا. ما كان لرجل يتبع المرأة وهو مؤمن، إنّ الرّجل كان خنزيرا. يا نساء الشّعب إن يملك منكنّ الرّجال أغراضهم فلن تتزوّجن أبدا، ولو أعجبتهنّ كثيرا. الرّاقصون للرّاقصات، والصّرماحون للصّرماحات، والمعلّمون للمعلّمات. ولا تتزوّج شريفة خنزيرا. حرّمت على المؤمنات السّمكة والأساور من القشرة والحجل، وما جعل الله من أرجلهنّ جنزيرا.”


“سورة أربعين سعد زغلول”
(المصدر نفسه)

“يس، والدّستور العظيم ذكر ما أنزل على مصطفى وفريد، وما أوحي إلى الزّعماء من لدن عزيز عليم. قالوا ربّنا هب لنا قوّة، وامددنا بجرائد وأحزاب، وجنّبنا القوم الرّجعيّين. إذ خطب مصطفى قومه وكانوا غافلين، ألاّ تجعلوا في الوطن شركاء آخرين، يسعّرون قطنكم، ويعلّمون أبناءكم، إن هذا هو الخسف الكبير. ثمّ اصطفاه ربّه كما اصطفى عيسى بن مريم عن ثلاث وثلاثين. أمّا فريد فكان من أولي العزم إذ ابتلاه ربّه ببرلين. قال ربّ إنّي بلي الثّوب منّي، ولا أجد الخيط الأبيض ولا الخيط الأسود، وأنت على ذلك شهيد. وكان ثلّة من آل فرعون يعيثون في الدّيار، يقامرون ويرقصون مع الرّاقصين، فما سندوه وما نصروه، ومات من الجوع وهو زعيم. وكم من زعماء ماتوا وهم يشحذون. ألا إنّ آل فرعون قوم منحطـّّون. ما كان سعد وفديّا ولا دستوريّا، ولكنّ مصريّا كالمصريّين. فمن اتّبع هداه جعلناه خليفة في الأرض، وإنّا له لمصوّتون. فإن تولّوا فالذي توفــّى سعدا يأتي بأربعين، وما ذلك عليه بعزيز.”

أمل دنقل أبانا الذي في المباحث (على وزن الصلاة الربانية المسيحية)
أبانَا الذي في المباحث ..

نحن رعاياك!

باق لك الجبروتُ!

وباق لنا الملكوت!

وباق لمن تحرس الرهبوت!!!

* * *

تعاليت .. ماذا يهمك ممن يذمك؟

اليوم يومك!

يرقى السجين إلى سدة العرش ..

والعرش يصبح سجنا جديدا ً..

وأنت مكانك ..

قد يتبدل رسمك واسمك ..

لكن جوهرك الفرد .. لا يتحول ...

الصمت وشمك .. والصمت وسْمُكَ!

والصمتُ بين خيوطِ يديكَ المصبغتين المشبكتين يلفُّ

الفراشةَ ..

والعنكبوت!

* * *

أبانا الذي في المباحث، كيف تموت؟

وأغنية الثورة الأبدية ..

ليست تموت !؟



الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

الترحيل




اليوم مر عامان على بداية تجنيدي ، يوم الترحيل.


كانت الليلة الثانية التي أشهد في كلية الضباط ، وكنا قرابة الخمسمائة لم ننته من تسلم ملابس الجيش (المهمات) بعد ، نقف صفًا لنتسلم قطعة من الملابس ثم نقف مجددًا لتسلم القطعة التالية ، وهكذا قرابة الست ساعات.
كنا قاربنا على الإنتهاء من جميع الملابس عند منتصف الليل أو بعده بقليل عندما نازعت لإحتلال مساحة ضئيلة من الرصيف حتى أجلس عليها بدلاً من الجلوس على الأرض مباشرة ، تمنيت أن تغفل عني عيون الرقباء مشتعلي الحناجر لوهلة أبسط فيها ظهري الذي كاد ينقسم من حقيبة فيها ما يلزمني لأربعين يومًا أحملها ليومين عدا ثلاث ساعات نمتهم الليلة الماضية. نظرت للسماء ، أغمضت عيني ، نمت ، وحلمت بأحد الرقباء يمسك وعاء من الماء يقذفه نحوي ليوقظني فنهضت فزعًا ، وكل ذلك في مدة لا تتعدى بضع دقائق.


***************

كان إدخال الهواتف المحمولة صعبًا وخاصة في البداية ، وكانت وسيلة الإتصال بالعالم الخارجي تتلخص في ست هواتف "ميناتل" يقف أمام كل منها صف يلزم الوصول لأوله وقتًا أطول من وقت الفراغ المتاح ، فإن أردت أن تجري إتصالاً عليك أن تأتي في وقت غير متوقع وكان الصباح الباكر في العادة ، كنت أنتقي مطبقي خاصية (الرينج تون) لأكسر الرتابة البشعة التي كنت أجدها في الموسيقى العسكرية حتى أصبحت عادة صباحية مقدسة تعينني على إتمام يومي.


***************

"بقالك سنتين في الجيش ولسه وشك مخطوف ليلة السفر؟!" إكتفيت بالإبتسامة ردًا على صديقي ، قد أصاب كما لم يفعل من قبل ، لازالت نفس الحالة تنتابني ليلة السفر ، وخاصة مع الخريف والشتاء. يصل الشعور بالوحشة إلى قمته مع الخروج من المدينة المظلمة النائمة في ساعات الليل الأخيرة موعد سفري المعتاد ، أودعها ، أرى تفاصيلاً جديدة ، أتذكر ما نسيت وما علي فعله ، أتندم ، أخطط ، ثم أستسلم للنوم.



***************

عولت كثيرًا على تأكيدات أحد الأقارب واثقًا من وساطته بأنني سأٌقضي مدة خدمتي بالأسكندرية ، وسافرت للقاهرة لأتسلم رسميًا مكان الخدمة وصعقت لما وجدته في القاهرة ، تحركت صوب المكان المنتظر مع اثنين من الزملاء ولأنهم من سكان القاهرة فقد رحلا فور وصولنا على أن يعودوا في اليوم التالي وبقيت أنا ، إستلقيت على سرير غاب صاحبه مصدومًا أحاول إستيعاب ما يحدث ، دخلت في دورات من النوم واليقظة حتى غاب النوم تمامًا حوالي الواحدة صباحًا ، أكره إنهيار الخطط وأخشاه ، أشعر كالتائه في الصحراء ، لا يثق في رؤيته إن كانت حقيقة أم سراب ، والماء ينفذ ، عليّ التخلي عن خططي وإيجاد خطط بديلة في وقت حرج وظروف غير مهيئة ، تكاد رأسي تشتعل ، نصحني صديق إذا إشتدت بي أن ألجأ للبكاء ، قال ان البكاء ينتقل بصاحبه من مرحلة لأخرى ، يفرغ الطاقة المكبوتة فقررت أن أبكي ، لم أشعر بحاجة للبكاء منذ بداية تجنيدي ، يبدو إن فساد خططي أشد وقعًا من أي شيء عليّ ، حاولت ولم أستطع كأنني نسيت البكاء ، بحثت في هاتفي عن موسيقى تحفز دموعي ، فشلت العديد من المقاطع ، قاربت على اليأس حتى أصابت أغنية حواديت لمحمد منير الهدف ، ظللت أبكي حتى بعد صلاة الفجر ، واصبحت في أحسن حال. 







الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

كريستوف كيسلوفسكي





قبل أسبوع قال المخرج داوود عبد السيد لمضيفته في حلقة تلفزيونية انه قصد في فيلمه الكيت كات حالة العجز الموجودة في كل شخوصه و قصد حالة التيه الذي تعرض له جيل كامل أُعد للإشتراكية ثم تهاوت من أسفله في فيلم أرض الخوف ، وأن أي تحليل مختلف يمثل آراء أصحابه فقط و لم يكن مقصودًا منه بأي شكل من الأشكال.
كان داوود واثقًا و شجاعًا لما أنكر كل التفسيرات الإستعراضية للكتّاب في أنجح أفلامه بدلاً من إكمال الإستعراض أو حتى ترك المساحة للسيرك المنصوب على عبقريته.

أرهقتني في السابق المحاولات المستمرة لقراءة رموز الأفلام عن طريق إعادة مشاهدته أو الإطلاع عن مقالات كتبت عنه ، لكن مع كيسلوفسكي فالأمر مختلف ، يعبر كل فيلم عن حالة محددة تتلخص في كلمة واحدة هي في الأغلب الإسم التجاري للفيلم ، سؤال محدد أو شعور بعينه ، خط واحد تدور فيه الأحداث ، وإن ظهر خط آخر تجده إنعكاس للخط الرئيسي.

العابر أمام شاشة تعرض مشهدًا لكيسلوفسكي يستطيع تمييز بصمته بوضوح ، سينما تعبيرة ، شاعرية بإمتياز ، يمتزج موضوع الفيلم بالصورة ، بالموسيقى التي تبدأ قوية (forte) بعد صمت لتعلن عن جملة مهمة تأتي على لسان ممثل يعكس وجهه معنى تصنعه معه الصورة والإضاءة وحركة الكاميرا.
قد يضمّن رموزًا ، لكنها غير فلسفية كرموز بيرجمان مثلًا ، هي كطبيعة أفلامه حسية نابعة من المباديء والمشاعر الإنسانية كهدية البولندي المتهرب من التجنيد والمنتقد لسياسات بلاده ومباديء سكانها في السلسلة التلفزيونية من عشر حلقات عن الوصايا العشر التي أمر الله بها نبيه موسى وشعب إسرائيل بحسب العهد القديم عام  1989 التي قدمها لعشاق الصنعة السينمائية كغلاف للدفقة الشعورية التي تنتاب مشاهديه عبر صورة جمالية مغرقة في الحرفية مع تكثيف للمعنى المقصود في الأحداث وطرحه و القدرة الدائمة على التدقيق في التفاصيل.


لكن لثلاثيته الشهيرة - التي حملت أسماءها ألوان العلم الفرنسي الأزرق والأبيض و الأحمر وتحمل قضاياها الحرية والعدالة والمساواة وهي مباديء الثورة الفرنسية - مكان خاص عندي ، أُعيد مشاهدتهم كل فترة ، ربما لأنهم أول ما شاهدت من أفلامه ، وربما لأنها آخر ما صنع ووضع فيها كل جهده وأحدث الإمكانيات التقنية وقتها وقرر الإعتزال بعدها.

لا أعلم كم من مشاهديه لاحظوا مرور - مجرد مرور - بطل الفيلم الثاني "أبيض" ضمن أحداث الفيلم الأول "أزرق" في مشهد دار بالمحكمة في تقاطع سحري بين أحداث الفيلمين!


يروى أيضًا أن كيسلوفسكي أعطى 5 ثوانٍ زمنًا للقطة من فيلم "أزرق" تمسك فيه جولييت بينوش بمكعب سكر تمس به القهوة حتى يتلون المكعب بلونها ، لكنه لم يجد مكعبًا يحقق له الزمن المطلوب إما أطول أو أقصر ، فكلف كيسلوفسكي مساعده بالبحث عن مكعب يذوب في خمس ثوانٍ حتى وجده! أي إهتمام بالتفاصيل هذا!