الثلاثاء، 29 يناير 2013

حوار


دخل الضوء مع الباب المفتوح كأنما يشق ستار ظلام الشقة لأول مرة كاشفًا عن تفاصيلها للزائر رويدًا رويدًا.
كانت عيناه تتفحص كل شيء في شقة رفيقه ، المطبخ على اليمين متكدسة فيه أطباق قذرة طال انتظارها لتُغسل وثلاجة صغيرة يشي فقر هيئتها بفقر ما تخفيه خلف بابها ، منضده يحيطها مقعدان على اليسار ومن خلفها منضدة أخرى يعلوها ساعة ويجاورها شرفة ويزاحم الحاسب الشخصي عليها طابور من الأكواب و زجاجات البيرة و أعقاب السجائر ، وأنضم الصديق صاحب الشقة للمشهد خلف الحاسب تحت سحابة دخان مصدرها سيجارتة ومنتهاها السقف المتهالك.

* هات الفلاشة ويادوب الحق احطلك الحاجة قبل ما شحن اللاب يخلص.
- انتوا النور بيقطع عنكوا كتير هنا.
* وفترات طويلة كمان.
- يادي الفقر. ايه التراب اللي عالشاشة ده كله؟ مش بتنضفه ليه؟
*عشان لو نضفته هيملاها تاني.
- امال بتاكل ليه؟ .. ما انت هتجوع تاني.
*عشان احساس الجوع مؤلم .. مش أكتر.
- والقبح مش مؤلم؟
* مش لأمثالنا.
- أتكلم عن نفسك.
*نفسي مين يا جربان أنت ، يعني وتكة زي اللي في الوول بيبر دي عمرك هتشوفها في حياتك؟ مستكتر تشوفها متربة؟!
- ما هو عشان كده لازم نحاول نجمّل على قد ما نقدر يا وسخ.
- (ممرًا اصبعه على الشاشة) بص التراب اللي طلع في صباعي قد ايه.
* ايه اللي انت عملته ده بدين أمك؟ لما تنضف حتة بتضاعف إحساسك بوساخة الباقي.
- على الله تحس على دم أمك وتبدأ تنضف.
* عمري ما هنضف الشاشة من التراب إلا لو الشارع نضف من التراب.
- ما هو مش بينضف لوحده. فكر ازاي تنضفه؟
* مثالية عبيطة زي ونيس و أولاده كده؟
- أيه المانع؟
* أفترض همشي ورا كلامك وهنضف شارعي.
- ها؟؟
* تاني يوم هيتملى تراب برضه من الشوارع اللي جنبة.
- لا. دي علوقية ناشفه.
* لا وأنت الصادق واقعية جافه ، محدش بينضف الرف التحتاني قبل الفوقاني يا بأف.
- البأف هو اللي مش بينضف التحتاني عشان مكسل يجيب سلم ينضف الفوقاني قبله.
* السلم مش من ضمن إمكانياتي.
- بس من امكانيات الشارع لما يتعاون.
* هيتعاون إزاي ، ده نصهم بيهرب من تذاكر المواصلات.
- الروح العامة والنتايج المبهرة هتجبره يشترك.
* الروح العامة إحباط عام.
- ما هو عشان كده الناس هتتعلق في اي روح عالية تنتشلها.
* أما روح عالية تيجي بقى.
- وأنت؟
* مينفعنيش.
- ليه؟
* عشان هينضفه مرة واحدة ، مش نظام دايم ، بعده الشاشة هتتملي تراب تاني.
- يا دين أمي!

وفجأة إنطفأ الحاسب معلنا انتهاء مهلة بطاريته.
- شفت الفلسفة الفارغة ضيعت الوقت.
* الفلسفة بتملى فراغ الوقت.