الجمعة، 7 يوليو 2023

متى نكف عن وخز أعيننا؟!

 

يحكي التراث القبطي عن حادثة نقل جبل المقطم التي كان بطلها إسكافياً (صانع أحذية) فقيراً يُروى عنه انه قبل تلك الأحداث قد قلع عينه بالمخراز لما إشتهى إمرأة عملاً بوصية المسيح في الموعظة على الجبل حين قال "فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ".
 ولا تكاد تخلو رواية عن القديس سمعان الخراز من نقدٍ له لقلع عينه عملا حرفيًا بالوصية التي كان ينبغي فهم رمزيتها ، وهو - حسب مقصد المنتقدين - ما عجز عنه إسكافيًا فقيرًا عاش في القرن العاشر للميلاد.

والقاريء لسيرة يسوع يلاحظ بوضوح نقده الدائم للكهنة والكتبة والفريسيين وكل من يعمل الوصايا بشكل حرفي دون أن ينفذ المعنى الرمزي الى قلبه ، وينتقد حتى تلاميذه عندما لا يفهمون المعنى الرمزي المقصود من وراء التعليم الذي كان يبشر به ، الذي يصل الى حد الكمال ، بل قال يسوع صراحة في نفس الموعظة  "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِل".
والحديث عن الكمال له أهمية خاصة ، لأن الإنسان لديه شعور عميق بنقصه ونسب الكمال الى كيان أكبر منه ينسب له الوجود وما حوله وكل ما عجز العقل القاصر عن فهم أسبابه ، وظلت البشرية في بحث دائم عن الله الخالق الكامل ، حتى ان ديكارت قد إعتبر بحث الإنسان الدائم عن الكمال وإدراكه لنقصه في هو دليل على وجود الله حقًا ، وان وجوده مزروع في إدراك البشرية منذ القديم. إذًا لعل المقصود من تعليم يسوع هو أنا نسعى دائمًا نحو الكمال ونعترف بنقصنا وفسادنا ونعترف بصلاح الله ، ونجتهد طوال الوقت أن نصل للكمال بالعمل بالوصايا التي علمها ، وليس تحويلها الى تعليمات تنفذ بشكل حرفي ، وخاصة الظاهر منها للعيان حتى يثبت بها البعض صلاحهم بالمقارنة بالآخرين ، ويستغلون ذلك الصلاح الظاهري في إستحقاقيتهم دون غيرهم في بعض الإمتيازات ، بالضبط كما كان الكهنة والكتبة والفريسيون يفعلون في حياة يسوع.

ويتضح من الموعظة على الجبل ان كل التعاليم التي وردت فيها شديدة المثالية بالفعل ، من منا قد يدر خده الآخر إلى من لطمه كل مرة؟! إن حدث ونفذ شعب تلك الوصية لأفناه أعداؤه ومحوا ذكره. القديس أبو سيفين ، أو مرقوريوس كما تعرفه الكنائس الغربية ، كان ضابطًا رومانيًا ذو مرتبة عالية ، صد إحدى غارات القبائل الجرمانية ، حمل سيفه وحارب ولم يدر خده لأعدائه ولم يحبهم كما تنص الوصية ثم أعلن كونه مسيحيًا أمام الامبراطور ما تسبب في إعدامه..
وأبو سيفين هو القديس الذي تحمل كنيسة إمبابة المحترقة إسمه ، التي إستمر كاهنها في الصلاة أثناء الحريق ربما عن إعتقاد خاطيء ان عليه الاستمرار فيها ، وان إستمراره في الصلاة قد يطفيء الحريق مثلاً ، ولكنه بوضوح وضع السبت قبل الانسان لا الإنسان قبل السبت بخلاف ما كان يُعلّم يسوع ، وتناسى أيضاً ان الصلاة الأفضل هي صلاة الفرد وحده خلف باب مغلق كما أوصى يسوع في نفس الموعظة على الجبل. وبنفس المنطق المعوج نعى بعض الأقباط الضحايا بقولهم "يا بختهم" حتى حولوا الحادث الى سباق رخيص لإظهار صلاحهم الزائف فوق جثث إخوتهم المحترقة ، بدلاً من إستغلال الموقف لمحاسبة المسؤولين عن إهمال أنظمة الإطفاء في الأماكن الدينية ، أو حتى محاسبة الدولة على تقييد بناء الكنائس مما أدى لذلك الإكتظاظ ، وتغليب الجلسات العرفية على قوانين الدولة الحديثة التي قد نجح محمد علي في تجاوزها وحسمها قبل قرنين.

منذ أسابيع مُنعت من الدخول من الباب الخارجي لإحدى الكنائس لأني ألبس  "شورت" وهو أمر منافٍ لتعليمات كاهن الكنيسة على حسب تعبير موظف الأمن ، الذي طلب مني عدم الدخول حتى لا أتسبب في معاقبته ، وأبطال ذلك المشهد العبثي: الكاهن والموظف وأنا نتبع عقيدة أرساها يسوع الذي كان يوبخ الكهنة على تمسكهم بالمظهر ، ويقبل أن يجلس ليتحدث مع العاهرات عندما يأتين إليه ، ويقبل دعوة العشارين ، حتى أن كاتب الانجيل الذي نقرأ فيه الموعظة على الجبل كان عشارًا وغاب كل ذلك عنا ونحن ننشغل بحماية تماسك المجتمع بالتمسك ببعض المظاهر على حساب صلب العقيدة.

يتمسك قادة الكنيسة الآن بالقيود المفروضة على الطلاق ، تطبيقًا حرفيًا لتعليم يسوع في الموعظة على الجبل أيضًا ، بالضبط كما فعل سمعان الخراز ، والقيود المفروضة على طلاق المسيحيين في مصر ليست مجرد قيودًا دينية ، أي يعاني من يخالفها رفض مجتمعه الكنسي ، ولكن تمتد القيود للجانب القانوني والرسمي في تقسيم للسلطة على الأقباط بين الكنيسة والدولة ، أي لا مخرج للطلاق إلا من خلال الكنيسة. وتبيع الكنيسة صك طلاق لمن تراه يستحقه في شكل إيصال تبرع إجباري في نهاية الأمر لطالبيه وهي نظير شهادة ينبغي تقديمها للمحكمة لإقرار الطلاق رسميًا! وتلك الشهادة تصدر عن راهب تدرج في الرتب الكنسية ، وليس خفي على أحد ان الرهبان لم يمروا بخبرة الزواج. وليس خفي على أحد أيضًا تمدد سلطتهم حتى تشمل زواج الأفراد وطلاقهم ، وهم من يفترض بهم أن يكونوا نساكًا زاهدين في الأساس ، صاروا قضاة يحكمون ويتحكمون في حياة الأفراد بقوة السلطة المقتسمة مع الدولة ، وصاروا سبباً في شقاء الناس أو سعادتهم!
والواقع ان منع الطلاق ، ومعها إجازة أكل لحم الخنازير مثلا من ملامح المجتمعات المسيحية ، وفيه ترجمة لفلسفتها وقت ظهورها ، تفرقها مظهرياً عن المجتمع اليهودي الذي خرجت منه ، وهي ضرورة إجتماعية وسياسية لبناء المجتمع للمرة الأولى لكنها ليست صلب العقيدة والتي نحتاج لضبطها
بأن نضع لها حراساً بصولجان سلطة.

يحكي التراث القبطي أيضًا عما يسمى بشجرة الطاعة ، وحسب الرواية أن أحد الرهبان أعطى لتلميذه عصاً يابساً ليزرعه ، ظل التلميذ يسقي العود اليابس لسنوات حتى كبرت الشجرة وأثمرت ، وسميت بشجرة الطاعة وثمرها بثمر الطاعة ، وهذه الدرجة من الطاعة التي تبشر بها القصة قد تعد فضيلة في مجتمع الرهبان المغلق ، ولكنها لا تعتبر فضيلة بمعايير عالمنا والعصر الذي نعيش فيه ، بل ربما كان من الأفضل أن يستغل التلميذ وقته في شيء مفيد على أن يضيع سنوات من عمره يسقي عوداً يابساً ، ولكانت ثمار الشك والتفكير أفضل وأكثر من ثمار الطاعة العمياء ، وكان التلميذ المفكر أفضل لنفسه ومجتمعه من التلميذ المطيع.

لا أغفل بالطبع أهمية المجتمع وتماسكه ، وأشارك الجميع إرثه ونصيب الأجداد من بناءه وحفظه ، ولكن عندما نبتعد كثيرًا عن صلب الأفكار التي بنيت عليها العقيدة لصالح تماسك المجتمع فإننا نخاطر بإنهيار وتبدد كل شيء ، وهنا يجب علينا جميعاً مراجعة ما نفعل بأنفسنا ، بالتفكير لا بالاعتماد على الآراء الجاهزة ، رغم ان الاحتكام لآراء المجموع وخاصة عندما يؤيدها رأس المجموعة الدينية وهو من المفترض أن يكون راهباً أو كاهناً يعطي شعوراً بإرضاء المجموعة وضماناً للوجود في وسطها وبالتالي إحساساً أعمق بالأمان والإطمئنان ، وبالتبعية يصبح صاحب الرأي المختلف - ولو كان على صواب - عدواً لأنه يهدد ذلك الشعور الجمعي بالإطمئنان ، ذلك الشعور الذي يجب علينا مقاومته لإصلاح العوار القائم ، ربما نحمي الأجيال القادمة من الموت حرقاً وهم يبحثون عن الإطمئنان في الكنائس ، أو نحمي الأزواج غير السعداء من حكم مؤبد عليهم بالشقاء عقاباً على إختيار خاطيء ، ربما تدرك الأجيال القادمة ان الدين قد أُوجد من أجل الإنسان لا الإنسان من أجل  الدين ، وان عشاراً أو سامرياً كانوا أفضل من الكاهن حسب يسوع ، وأن الله لا يسعد بشقاءنا ، ولا يُسر بقلع العيون!

السبت، 8 يناير 2022

يسوع الذي ربما لم تلحظه



قبل عشرين قرن وُلد إنسان لأسرة فقيرة في شعب فقير مُحتل ، عاش حياة عادية حتى بلغ الثلاثين ، وفي بضع سنوات من دعوته زلزل أركان المجتمع الذي يعيش فيه ، وامتد تأثيره عبر تلاميذه إلى العالم كله حتى تبعه إمبراطور روما ذاته بعدها بثلاثة قرون وإنتسب له مثل الملايين حتى الآن.
لكن ماذا فعل يسوع بالضبط؟! كان لمجتمع اليهود الذي عاش فيه يسوع شأن كل المجتمعات بعض الأنماط الثابتة التي كان يعيش عليها الناس ويعتمدون عليها في تقييم الأشياء والأشخاص ، تلك الأنماط يبني الأفراد عليها حياتهم واتزانهم النفسي ويستخدمونها في التخلص من مخاوفهم وتلبية احتياجاتهم ومع تطور أهمية تلك الأنماط في حياة الناس يبدأ الناس في حمايتها دون أن يعرفوا السبب الحقيقي وراء ذلك ، بمعنى إنهم يهاجمون بضراوة أي تعدٍ على تلك الأنماط حتى إن كان هينًا أو غير منطقيّ لكنه يتعارض بأي شكل مع الصور الثابتة التي إعتادوا عليها ، وخاصة إذا كانوا من المستفيدين من تلك الأنماط ، أو دفعوا ثمن خضوعهم لها وينتظرون الإستمتاع بنتائجها، أو ببساطة يرفضون إستمتاع الآخرين بالنتائج دون دفع نفس الثمن ، تخيل كاهنًا أو فريسيًا متدينًا قضى أغلب سنوات عمره في قالب يقتضي الكثير من التحكم في النفس والالتزام بمظهر وسلوك محدد ، ونجح في ذلك الى حد كبير وكسب إحترام المجتمع الذي يؤمن بتلك الأنماط ، وبناء على تلك الأنماط أيضًا ينبذ عاهرة (امرأة خاطئة حسب تعبير الكتاب المقدس) تتكسب من مخالفة تلك الأنماط ، وينبذ أيضًا عشارًا (وهو من يجمع الضرائب من الشعب لصالح الرومان). وهذه هي الأنماط التي استخدمها الناس في تقييم بعضهم في المجتمع الذي عاش فيه يسوع ، وليس خفيّ على أحد انها تتشابه بشدة مع أنماطنا الحالية في مصر على سبيل المثال.
لما بدأ دعوته ، كسر يسوع كل الأنماط السائدة ، فهاجم الكهنة والفريسيين وهزم كل محاولاتهم في مجادلته استنادا على أنماطهم "المقدسة" وقبل هدية المرأة الخاطئة وجلس مع العشارين ، حتى أن متى كاتب أول الأناجيل كان عشارًا ، جالس الفقراء واتخذ منهم تلاميذه ، لم يتبع الأنماط الثابتة التي تعكس الصلاح وكان صالحًا ، لم يستغل يسوع تابعيه وهم كثر للدفاع عنه ضد الجنود الذين أتوا ليقبضوا عليه ، لم يترك أورشليم ويذهب بأتباعه لمدينة أخرى ليقود تمردًا ضد سلطة الرومان وسلطة كهنة اليهود مثل أدبيات أخرى عديدة ، ولم يستغل أتباعه من الأغنياء في تقوية سلطته ، بل تجاهل تمامًا القوة والمال والسلطة بما يخالف كل المفاهيم المعتادة ، ثم طمأن الضعفاء الذين يفتقرون للمال والقوة ، وكان يحبهم ويفضلهم على عكس المتوقع استنادًا للأنماط السائدة.
فرغ يسوع المفاهيم من مضامينها ، أي ليس بالضرورة أن يكون الكاهن صالحًا ، والساقطة سيئة ، وأسقط أهمية القوة ، ومفهوم قومية اليهود ، قلل أهمية المال ، وأعلى قيمة الإنسان وان كان فقيرًا و ضعيفًا فوق الأنماط المقدسة واثبتها في جدله مع الفريسيين عندما قال " جُعل السبت لأجل الإنسان ، لا الإنسان لأجل السبت".
لذلك صُلب المسيح ، لأن مجتمعه لم يحتمل أن تكسر أنماطه التى يستند عليها ، فكان إختيارهم أن يوقفوه لكن دعوته لم تقف حتى تمكن السياسيون من تطويعها فيما بعد وتحويل دعوته لأنماط سائدة مرة أخرى.
نحتفل بميلاد يسوع ، المتمرد الفقير الأعظم الذي تحدى كل السلطات لصالح جوهر الصلاح ، وضرب لنا أمثلة لا تحصى في كيفية تغيير مجتمعه دون أن يرفع سيفا ، والذي إن عاد من جديد وبدأ دعوته في المجتمع وتحدى أنماطه لكان مكانه بالتأكيد أحد سجونه!

السبت، 2 فبراير 2019

Revenche




Moi, Je ne suis qu’un pauvre ouvrier qui cherche à assouvir ses besoins, parfois tu me croises dans la rue en s’asseyant sur le trottoir avec un marteau et un burin à côté de mes semblables pour être trouvé par quelque embaucheur. Malheureusement ce genre de travail ne dure pas longtemps, ça pourrait être juste quelques heures, et sans doute on n’est pas bien payé à cause du grand nombre, et on risque d’avoir des problèmes sanitaires à cause de la nature du travail.

Il était déjà 10:45 du matin, et avec le temps, la probabilité d’être embauché diminue. Ça me rend plus en plus nerveux à cause du besoin. Lorsqu’une voiture noire a reculé en passant par nous, ça nous rend attentifs. Quand la vitre de la voiture est baissée, on était tous devant ce monsieur prestigieux qui restait dans sa chaise pour choisir un seul ouvrier entre nous. Pour le rend plus difficile et sortir le plus gagnant de cet accord, il nous a dit : «celui qui a une perceuse, serais mon choix».

Je suis monté dans la voiture avec la perceuse, pas la mienne sans doute. Elle était à vendre à l’occasion, et il suffisait de dire à sa propriétaire que je la montrerais à quelqu’un. J’aurais fait n’importe quoi pour gagner ce jour.
La mission était dans un magasin quasi prêt pour être inauguré, mais ils sont manquées la dernière couche de peinture, et les étagères pour lesquelles j’aurais fait des trous avec la perceuse. J’ai démarré le travail selon les ordres de monsieur le propriétaire qui est monté à son appartement, et quand j’étais au bout de finir, il est descendu, vraiment en colère.
Je n’aurais jamais imaginé finir comme ça, j’aurais pu être un diplômé plutôt qu’un ouvrier chômeur qui a l’air d’un clochard si les circonstances avaient été plus stables, et Je n’aurais jamais l’apparence qui a incité ce propriétaire de m’humilier à ce point. Pour un trou mal placé parmi une trentaine, j’ai été qualifié d’un idiot, bête comme un âne, et je dois réparer ce trou, sinon je risque de perdre d’argent.
Oppressé, brisé, furieux, j’allais pour acheter de mastic pour réparer ce  trou de merde, mais j’ai aperçu quelque chose de plus intéressant. Je l’ai ramené, et avec le compresseur du peintre, j’ai rempli tous les trous j’avais déjà fait par la perceuse dans les colonnes de béton de ce matériel.

Je suis sorti de l’immeuble, et j’ai allumé une cigarette en face de l’immeuble propriété et habité par cette sale personne qui possède l’immeuble. Franchement c’est très chic cet immeuble avec ses vastes balcons, et sa décoration unique, autant que le magasin qui aurait être inauguré au bout de 3 jours, dont  les trous ne sont plus destinés aux étagères, ils sont déjà remplis d’une substance dont le volume augmentera énormément après quelques minutes. Il est écrit sur le pot « mortier expansif pour démolition non-explosif ». Grâce à ce pot l’idiot qu’il en a marre, attend en fumant prendre sa revanche.

الثلاثاء، 9 فبراير 2016

القاهرة بين دياب وشاهين






تجولت كاميرا مخرج كليب عمرو دياب الجديد (القاهرة) بين شرفات فنادق المدينة الفاخرة المطلة على النيل تنقل المشهد الجميل - بحق - أمام عيون الجميع  من الأعلى حيث يراها من هم مرتفعين عن الأرض ، يظن فريق العمل إنه يقدم خدمة للوطن بهذه الطريقة ، دعمًا للسياحة ، أو ردًا لجميل المدينة ، أو حتى تذكيرًا لمن نسوا الجانب الجميل للقاهرة وإن تآكل وصار أصغر من أن تلحظه العين وسط القبح.

قبل خمسة و عشرين عامًا ، كان يوسف شاهين يصور فيلمًا عن القاهرة ، وقتها لم تكن مشكلات العاصمة بنفس حجمها ، وكان جانبها الجميل أكثر طغيانًا على القبح فيها ، أبرز شاهين نفس مشهد النيل من الأعلى ، من  شرفة مكتبه على خلفية حديث لنفسه بالفرنسية عن كيفية حبه للقاهرة ، وعندما وصل لنتيجة ان حبه للأحجار بلا قيمه دون سكانها ، قرب شاهين الصورة خلف الأبراج الفاخرة حيث الأحياء العشوائية المستترة خلفها ، وعرض في 20 دقيقة مشاهد لسكان القاهرة ، تناول فيها مشكلاتهم في جمع مذهل ، قبل أن تتفاقم لتصل إلى الحالة التي نعيشها الآن ، أورد شاهين كل ما نعانيه حاليًا قبل ربع قرن في مشاهد قصيرة صادمة ، أورد البطالة ، سوء التعليم ، الفقر المدقع و الغنى الفاحش ، البناء على الأراضي الزراعية ، الهجرة للمدن ، الفوضى المرورية ، الجماعات الجهادية ، التدين الظاهري ، التحرش والسياحة الجنسية ، المشاحنات الطائفية ، إنهيار الأخلاق والمباديء ، عمالة الأطفال ، قضية إزالة مثلث ماسبيرو.


كانت ردود الأفعال عنيفة ، إنسحب أعضاء الوفد المصري الحاضر لمهرجان كان بعد عرض الفيلم ، ويُقال أن وحيد حامد إشتبك مع يوسف شاهين بالأيدي بعد العرض ، ومن الإعلام وُجهت لشاهين إنتقادات حادة ، أرجعها البعض لمؤامرة يهودية مستتره خلف تمويل فرنسي ،  وكتب أحد النقاد "ان فيلم شاهين الذي يطوف به هذا المعتوه بين عواصم أوروبا بحثاً عن جائزة حقيرة يؤكد أنه في حاجة إلى دخول عيادة نفسية تعالج ما حاك في أعماقه من خراب." بحسب ما كتب إبراهيم حاج عبدي في الحياه اللندنية في 11 فبراير 2010.

غنى أشهر الفنانين لبلدانهم ، صنعوا أفلامًا عن مدنهم ، كل تلك الأعمال الفنية صنعت مجد البلدان والمدن ، لأنها صنعت بصدق دون توجيه أوغرض دعائي ، صنعت بإجتهاد و إخلاص ، ليست مجرد "سلق بيض" كأغانينا وأفلامنا الدعائية ، التي تخرج للحياة محكوم عليها بالموت ، لست معترضًا بالتأكيد على الأغاني الوطنية ، وأحب أن أسمع أغنيات تتغزل في باقيات القاهرة الجميلة بإعتبارها عاصمة بلادي في النهاية ، لكن تلك الأخيرة لم أستطع مجرد تصديقها.






لكني أصدق كلمات شاهين ، أصدق فيلمه عن القاهرة ، أصدق حبه لأهلها ، أرى صرخته العنيفة لإنعاش المريض المصري ، بلا فائدة ، تمنيت أن أعود للماضي لأرد إعتباره و أحكي عن مصر بعد خمسة و عشرين عامًا و هي تعاني الأمرّين بسبب منطق محاسبة المتسبب في معرفة العالم بالحقيقة السيئة بدلاً من محاسبة المتسبب في الحقيقة نفسها ، أحكي لهم عن الوضع البائس الذي نعيشه و أحذرهم. ولماذا أحذر السابقين إن كان خلفاؤهم يسيرون على نفس طريقهم؟! 


الموضوعية مفقودة في مصر ، والحقيقة ضائعة ، لذا وسط تلك المنظومة التي تهوى دفن الحقيقة و تضليلها ، يبقى الإختيار الأفضل هو نشر السلبيات قدر المستطاع ، حتى تشكل وسيلة ضغط على من يعتبرون أنفسهم أشباه آلهة ، لا نستر على خطأ ، ماذا صنع بنا الستر ، لا تصدق من يقولون سمعة مصر ، سمعة مصر من سمعتنا ، و سمعتنا في الحضيض بالفعل ، ربما حان الوقت لطريقة تعاطٍ جديدة مع مشكلاتنا.







الاثنين، 2 نوفمبر 2015

ارفضوا


انتبهت مؤخرًا الى مشهد من مسرحية ألابندا التي ضمت كل نجوم الساحة الآن في بداياتهم وكانت اسهامًا قويًا في مسيرتهم ومن اخراج احد اهم اساطين المسرح المصري سمير العصفوري ، المشهد يضم محمد هنيدي و ماجدة زكي ، تنطق فيه ماجدة بأحقر "إفيه" عنصري سمعته في تاريخ مشاهدتي للسينما والمسرح المصري.
يُعرِّف فيه محمد هنيدي شابًا أسمر طويل القامة بإعتباره أخيه فتجيبه ماجده "يعني امك مخلفاه ولا مصطاداه!"
"الافيه" يستمد حقارته من بناءه على ميراث عفن من العنصرية ، كأنه قيل قبل قرنين في العالم الجديد ، وصمة عارعلى جبين كل من شارك في المسرحية ، وياللأسف ضحك الجمهور.



 

شجع نجاح المجموعة  في الأبندا انتاج  اول بطولة لجيلهم في "صعيدي في الجامعة الأمريكية " الذي حقق اعلى ايرادات في تاريخ السينما في ذلك الوقت ، معهم سعيد حامد الذي أخرج هذا الفيلم في ثاني تجاربه بعد فيلم "الحب في الثلاجة" الذي لم ينجح جماهيريًا ، ضم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" افيهات عنصرية أيضًا لكنها لم تكن بنفس الحدة عندما وجه خطابه للفتاة السمراء.
-"بتطفي النور ليه ما انتي مضلمة خلقة."
المثير في الأمر ان سعيد حامد نفسه أسمر اللون ، وحسب تعبير فيلمه مضلم خلقة!
وضحك الجمهور أيضًا.

والواقع ان صعيدي في الجامعة الأمريكية هو كليشيه عنصري من كليشيهات النجاح الجماهيري في السوق المصري ، ويقصد به تكرار نفس الأفكار بإستمرار حتى تصير مبتذلة ، والكليشيه هنا في المزج بين الصعيدي أو القروي والمجتمع المتمدن المحتك بالعالم الخارجي ، مفتاح يتيح للكاتب سرد مواقف تجتذب ضحك الجمهور تسفيهًا من الصعيدي في مظهره و حديثه ، لجأ هنيدي لهذا الكليشيه مؤخرًا في "رمضان مبروك" و "مسيو رمضان" ، ليستعيد نجاحه ، كما صنع منه أحمد مكي سلسلة "الكبير" ، التي تعج بالعنصرية والطبقية ، قال الصعيدي لزوجته "قوليلي يا بيبي" ولازال الجمهور يضحك.

يمكن بسهولة رصد افلام اخرى كثيرة تستخدم نفس الكليشيه ، أو إفيهات عنصرية أخرى في إتجاهات مختلفة ، لكن هل الفن في هذه الحالة يؤثر في الجمهور أو يتأثر به؟ تجاريًا السينما تلبي رغبة جمهورها ، ولا يمكن لوم العاملين في الصناعة على ذلك ،و لكن هذا لا ينفي ان هناك افلامًا قد تسببت في تغيير على ارض الواقع مثل أريد حلاً في  مصر و روزيتا في بلجيكا مثلاً.

تكرار نفس الافكار في الأفلام نتيجة طبيعية للإستسهال ، توليفه مضمونة النجاح ، سهلة التنفيذ ، وطالما لازالت تحقق المكاسب ، اذن هي قابلة للتكرار ، لكن استسهال تحقيق النجاح الجماهيري أوصلنا لنقطة قاتمة أخرى ، تجاوز السينما في السخرية العنصرية من بعض افراد المجتمع اوعرض سلوكيات شاذة مداعبة الرواسب لدى مشاهديها بهدف جذبهم تسبب في تشجيع الأفراد على تلك الممارسات أكثر فأكثر ، مما أدى بنا لتفشي ظواهر العنصرية و التحرش في المعاملات اليومية في الشارع المصري.

لكن ما الحل؟ طالما كنت ضد سلطة المنع الأبوية ، لا أثق بها ، وأعتقد ان مفاسدها أكثر من منافعها ، وأرى الحل في إنتقال سلطة الرقابة من شخص مفرد إلى المجتمع ككل ، علينا أن نرفض تلك الممارسات ، نرفض ضحكًا مستترًا خلف سخرية عنصرية ، نرفض بطولةً بنيت من سلوكياتٍ شاذة ، نرفض تكرار هذه السلوكيات ممن حولنا في الحياة العامة ، الرفض مؤثر ، الرفض ينفي الإجماع ما يضعف موقف المخطيء ، الرفض الآن ضرورة ، سلاح في مواجهة أمراض المجتمع ، حماية لنا و لأبناءنا ، أرفضوا.

الأربعاء، 12 أغسطس 2015

خمسة أسباب لتفشي التدين المظهري في مجتمعنا المنكوب




الشعور بالأفضلية

معروف دايما ان البشر عندهم رغبة في التميز عن بعضهم ، كل واحد فينا ليه شوية مقاييس بيرتب بيهم الناس ، مين أحسن من مين؟ المجتمع برضه عنده مقاييسه حتى لو غلط في رأيك بس هي واقع ، وأكيد المنافسة بين الناس في المجتمع على الأفضل بتبقى صعبة وشرسة و لا نهائية ، نتيجة ده بيظهر نوع الناس اللي بتستسهل ، بيبنوا شعورهم بالأفضلية على أساس حاجات محدش ليه ايد فيها ، زي البشرة البيضاء ، الحياة في مكان معين ، والحاجات اللي بتقلب بعنصرية دي.
من أسهل الطرق اللي ممكن واحد يشعر فيها بأفضلية بمجهود قليل هو التدين ، لو الفروق طفيفة بين الناس ، الموضوع بيعتمد بشكل كبير على المظهر، على شوية قراية ، ومجموعة من التعبيرات اللفظية تحل محل كلامك ، على تغيير طفيف في الرأي عشان تكون وجهة نظر مختلفة ، ولو عندك شوية كاريزما ممكن توصل قمة الهرم.
لذاذة الطريقة دي انها نسبية مش مطلقة ، بمعنى انك لو افضليتك انك دكتور شاطر، فإنت بتجيب نتايج ملموسة مع الناس فبيحسوا بأفضليتك ، انما الطريقة دي أي حاجة فيها بتجيب نتيجة ، حتى لو عكيت ، عادي ملحوقة.

الحظ ، واسطة من ربنا.

دي معجونة فينا من واحنا اطفال بسبب التربية ، الطريقة السهلة في التنشئة اللي تطلع العيال شبه أهاليهم و خلاص مش يطلعوا كويسين مثلا ، هي بتضمن السيطرة على الطفل لحد ما يكبر بس بتدمر الأساس نفسه ، الشعور بأفضليتك عند الخالق لمجرد انك بتعمل شوية حاجات كأنك بتشيله بيها جمايل ومستني انها تترد لك في أقرب فرصة ، و لو محصلش تفضل تسأل نفسك ليه و تدخل في تنظيرات تبرر للخالق انه ازاي موقفش جنبك في الموقف ده رغم انك احسن من المنافس بتاعك.
المرحلة المتطورة من الحالة دي ممكن تحول الانسان لمجرم ، ممكن يعتبر اللي مش بيعملوا اللي هو بيعمله ميستحقوش الحياة أصلا ، وانه مكلف بقتلهم زي الدواعش كده.

البحث عن الزواج.

مع انغلاق المجتمع ، وتقفيله كل السكك على الحياة الطبيعية المختلطة ، وفهمه الغريب للحرية ، اقتصرت العلاقات في الأغلب على الجواز بس ، وحتى التعارف اقتصر عل مجتمعات "اللي عايزين يتجوزوا"، والاختيار بيتم فيها على معايير مجتمعنا برضه بكل مشاكله زي الطبقية  والمظهر المتدين ، الإحتفاظ بالمظهر المتدين ضرورة للجواز عشان تدخل المجتمع المتدين اللي هو سوق الجواز، وبعدين عشان تحظى بفرص أفضل في القبول و خاصة بالنسبة للبنات ، بيبقى الكل مضطر يتظاهر بالتدين ، وده بيسبب فشل كتير من العلاقات بعد كده.

أوساط الإجماع.

"كل المصريين بيحبوا يلبدوا في الدرة" رئيس قسم في جامعة مصرية قاللي الجملة دي مرة في خلاف ، بغض النظر عن كل الأبعاد التانية الجملة نظريًا فيها قدر من الصحة ، الوجود في وسط ناس كتير بيدي طمأنينة ، مين فينا جسمه مكنش بيقشعر لما يبقى في وسط جموع كبيرة بتهتف بنفس الكلام اللي بيهتف بيه ، هتافات وطنية أو دينية ، الزحمة بتطمن إنك محمي ، وإنك على حق ، على العكس لو حكمت عقلك و عارضت المجموع بتفقد الأحاسيس دي و ده مش سهل مع أغلب الناس.

علاقات العمل.

مشرف : "كل سواقين الأوناش الكبيرة بيبقوا شيوخ يا باشمهندس ، أصل صاحب الونش هيأتمن مين على معدة غالية بالشكل ده"
انا : "خلاص ، أنا أركب دقن."
عشان المجتمع مش مفعل فيه القانون ، أي واحد ممكن يسرقك من غير ما تعرف تاخد حقك منه ، بالإضافة للسطحية المعجونة فينا ، ده إتسبب في ان صاحب المظهر المتدين هو بالتأكيد هيبقى آمن أكثر من غيره ، حتى بعد فضايح السعد والريان مثلا ، ممكن المؤمن يلدغ من نفس الجحر مرة و اتنين و عشرة ، طول ما الجحر مركب دقن.


الاثنين، 15 ديسمبر 2014

السبوبة

فوضى البناء في مصر وصلت لحد الجنون فعلا ، عدم التخطيط و العشوائية دي هترجع مجتمعاتنا للعصور الوسطى بدون مبالغة  ، وخصوصًا في الإسكندرية ، لازم تعرف ان كل ساكن زيادة لازم يبقى معمول حسابه وليه نصيب في سعة المنطقة من الميه والكهرباء والصرف و النقل ، كل ساكن زيادة بيعمل خلل في منظومة شايلة نفسها بالعافية أصلا ، و هتنهار فوق دماغنا لو استسلمنا لجشع حلف المقاولين و موظفي المحليات ، لازم تتحول جريمة لا تسقط بالتقادم ، لازم يدفع المقاول دم قلبة تعويض للدولة عن تهالك كل شبكات المرافق و حاجتها لمبالغ كبيرة عشان تتجدد ، لازم كل محافظ ساوم على القانون يتجاب ويتحاسب ، مش هنناشد حد ، كلهم المسؤولين عن الوحلة اللي احنا فيها دي ، محدش فيهم ليه عازة أصلا.

ناخد الإبراهيمية كمثال :

هنتكلم عن حتة كلها مساكن ، من سور كلية هندسة لسور نادي سبورتنج ، ومن شارع ابو قير للترام ، الحتة دي مساحتها حوالي 0.6 كم مربع.



مثلاً نقول ان 50% من المساحة دي للسكان فعلا والباقي خدمات وطرق ، يبقى المساحة حوالي 0.3 كم مربع ، اللي هي 300000 متر مربع ، ممكن نقسمها ل 250 عمارة كل عمارة 1200 متر مربع : 250*1200=300000
يبقى عدد السكان في الحتة دي تقريبًا= 250عمارة *6 شقق(كل واحدة 200 متر)*4 أفراد (متوسط) *4 أدوار (المفروض يحصل) = 24000 واحد.
كده الكثافة السكانية المفروضة في الابراهيمية = 24000/0.6=  40000 فرد/ كم مربع 
طبعا ده رقم مخيف ، ده يساوي تقريبًا الكثافة السكانية في منهاتن في نيويورك ، بس اللي بيسهل الموضوع في الابراهيمية انها محاطة بكليات ومدارس من ناحية ومن ناحية بالنادي فلو اتقسم السكان على المساحة دي كلها بيدي رقم أقل ، ونقدر نقول دي القدرة التصميمية للمكان ومش هيستوعب اكتر من كدة.

لكن الأزمة ان محدش ملتزم بالأربع أدوار ، طب تعالوا نجرب نزود دور في كل العمارات نشوف هيزيد كام واحد.
الأفراد الزيادة = 250عمارة*1 دور*4 أفراد = 1000 فرد.
1000 فرد زيادة في كل تصريح بدور أعلى في الإبراهيمية.
الفرد  في القدرة التصميمية لشبكة الصرف مثلا نصيبة 200 لتر صرف في اليوم ، يعني كده شبكة الصرف من الإبراهيمية لمحطات المعالجة للمصبات المفروض تزيد بسعة 1000*200= 200000 لتر زيادة
ونفترض برضه ان ال 250 دور عندهم 200 عربية فده يحتاج ان الطرق توسع ويضاف ليها = 200*3م*4م = 2400 متر مربع زيادة في الطرق ، بين انهم يلاقوا مكان يركنوا ويتحركوا.
وزيها الميه ، و شبكات المحمول ... الخ الخ

الفكرة ان العادي بقى 13 دور ، يعني اضرب الحِسبة دي كلها مش في دور ، في 9 أدوار زيادة ، وفجأة تظهر المشكلة ، ونطالب الدولة بالحل ، ونبوس على إيد الناس اللي كانوا بيتساهلوا مع المقاولين وبياخدوا منهم رشاوي انهم يصدقوا بإيديهم النجسة على إعتمادات توسعة شبكة الصرف ، بدل ما ناخد دماغهم نحطها في المجاري اللي طافحة ، اللي ريحة فسادهم بقت أسوأ من ريحتها ، انقذوا نفسكم.