السبت، 29 ديسمبر 2012

هنري كورييل


ولد في 13 سبتمبر 1914 في القاهرة لأسرة إيطالية يهودية ثرية ، وعلى عكس باقي عائلته اختار الجنسية المصرية عندما خير بين الجنسيتين عام 1935 ،  مؤسس حركة حدتو (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) ، ووالد الصحفي الفرنسي الشهير آلان جريش مدير تحرير جريدة لوموند دبلوماتيك.

بدأ حياته في النضال ضد الاحتلال الانجليزي و احلال قيم العدالة الاجتماعية مما عرضه لمضايقات من سلطة الاحتلال والحكومة المصرية وقبض عليه للمرة الأولى بعد حرب 1948 في معسكرات الاعتقال بالهايكستب ضمن الكثير من الأجانب والنشطاء السياسيين.
قبض عليه ثانية وتم ترحيله في قمرة مغلقة بسفينة إيطالية متجهة لجنوة عام 1950 رغم انه كان يتمتع بالجنسية المصرية ومنها ذهب الى فرنسا ليؤسس مع زملائه من المرحَّلين مجموعة "روما" كفرع لحدتو والحزب الشيوعي المصري فيما بعد بباريس وظل طيلة حياته يجمع التبرعات ويجتهد لتوفير الدعم السياسي لمصر وخاصة بعد النكسة برغم الجفاء والتخوين الذي كان يواجه به.

قبل 20 يوما من الغزو الانجليزي الفرنسي لمصر أرسل نسخة من خطة الهجوم للملحق الصحفي المصري بباريس لكن لم يعرها عبد الناصر إهتمام فطلب بعدها ثروت عكاشة الملحق العسكري المصري في ذلك الوقت من عبد الناصر إعادة الجنسية المصرية له لكنه رفض.

كورييل معتقلا في فرنسا

حاول التقريب في محاولات عديدة بين داعمي السلام في إسرائيل ومصر للحوار على أرضية الإنسحاب حتى حدود 1967 ( قرار مجلس الأمن الذي لم ينفذ حتى الآن) لكنه كان يواجه بالرفض من صانعي القرار في الجانبين.

ساند كورييل حركات التحرر في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وعمل مع منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الجنوب أفريقي المناهض للنظام العنصري، وأفادهم بالكثير من خبراته بالعمل السري الذي بدأه في مصر ، و قبض عليه في باريس لمساندته جبهة دعم الثورة الجزائرية عام 1960 ومرة أخرى عام 1962 بعد توقيع اتفاقية الإستقلال لدولة الجزائر التي أهداها منزل عائلته بحي الزمالك فيما بعد ليكون مقرًا لسفارتها حتى الآن.

هنا يرقد كورييل
قتل كورييل أثناء خروجه من منزله في 4 مايو 1978 وكانت إتهامات التحريض تقع بين فرنسا واسرائيل والنظام العنصري بجنوب أفريقيا ولم يتم التعرف على قاتليه حتى الآن ، وأحتفل كل من عرف كورييل باتفاقية أوسلو عام 1993 ليس لأنها جاءت إمتدادًا لجهوده فقط بل لأنها جاءت يوم ميلاده أيضًا.

الخميس، 29 نوفمبر 2012

Paris .. Je t'aime


 أغلقت الباب ، أطفأت الأنوار ، بحثت عن الموسيقى الهادئة ، مِلت في بحثي لإيقاعات الفالس وصوت الأكورديون ، فتحت النافذة لتدخل البرودة إلى جسدي المضطرب وجلست محتضنًا كوبًا من الكاكاو الساخن.
أظنني الآن قرب حالة صناع فيلم "باريس .. أحبك" وأستطيع الكتابة عنه ، لاسيما أنه من نوعية الأفلام الذي يغافلك برسم إبتسامة عفوية على وجهك طول مدة مشاهدته.
  
يدور الفيلم حول الموضوع الأهم على الإطلاق .. الحب ، وتدور أحداث قصصه الثمانية عشرة في عاصمته باريس. كلٌ من الصناع له في الحب نظرة عرضها وتبارى الجميع في حب مدينة الحب وأحيائها التي توزعت عليها الأحداث وشاركتها الأفلام في أسمائها.

وهنا أعرض أفلامي الخمس المفضلين.
 
 
Bastille - Isabel Coixet
وردت على لسان الراوي الجملة الأجمل في هذا الفيلم "من التظاهر بالمحب صار غارقا في الحب" ، إنتقلت الأحداث بالزوج  الشاعر بفتور علاقته مع زوجته التي تفاجئه بمرضها باللوكيميا قبل أن يفاجئها بخبر الإنفصال ، فيتظاهر بحبها ويحاول إسعادها بقدر إمكانه  ، وعندما تموت يكتشف أنه فقد حبيبة أحبها مرتين وفقدها للأبد.
أسلوب الإخراج بديع يحمل وصفًا روائيا بإمتياز ، بالإضافه لأن ميدان الباستيل الذي دارت به الأحداث من أماكني المفضله.

 
 
Tour Eiffel - Sylvian Chomet
مخرج هذا الفيلم في الأصل مخرجًا لأفلام الكارتون ، ما جعله يقدم صورة شديدة الجاذبية ومغرقة في الخيال ، سحرني في بدايته بمشهد الطفل بحقيبته الضخمه التي توازي عبئه النفسي لأن الأطفال يضربونه ثم يروي قصة أبويه المهرجين وكيف إلتقيا وتحابا وبقيت مسحورًا لنهايته وأعدته مرتين ثم نمت سعيدًا.
 
 

14e Arrondissement - Alexander Payne
الوحدة والإستئناس بالمدينة ، مختصر الحالة البديعة التي خلقها هذا الفيلم ، هي أمريكية  تجاوزت الأربعين ، تتحدث فرنسية ضعيفة  لتعتاد إستخدامها ، تحب باريس وتود أن تكمل فيها حياتها مغالبة لتأخذ الطابع الفرنسي غلافًا لها.
حوار الفيلم بالكامل يصلح للإقتباس .. يُدرَّس ، ينتقل بك من حوار كالدائر في مركز لدراسة اللغة الفرنسية لحديث مع صديق حميم.
وأظنني أحببت هذا الفيلم لأني مررت بتجربة مشابهة ، متسكع وحيد وسط زحام باريس الساحر.
 
 

Place de Victoires - Nobuhiro Suwa
جولييت بينوش! ربما تكون السبب في دخول هذا الفيلم لقائمتي رغم كونه تقليديا بعض الشيء ، وهذا ما كنت أحاول إجتنابه ، لكن جولييت "قطّعت قلبي" وبعدها أعطتني أملًا جديدًا ، أشعرتني بتوحد معها وهي الأم التي فقدت طفلها ، وشعرت بالتوحد أيضًا مع زوجها رغبة في التخفيف عنها ، حتى الإرتياح السعيد بعد أن هدأت خيالاتها من روعها.
 
 
 
Faubourg Saint Denis - Tom Tykwer
فكرة هذا الفيلم طالما أختبرتها وهي بناء إستنتاجات كاملة على فهم خاطيء لأحداث معينة ، يستعيد الشاب الكفيف تاريخه مع فتاته بعدما سمع منها ما أحزنه وإكتفى واضعًا السماعة ، أدار الماضي السعيد والمستقبل البائس بخلده في الثواني التي تعيد فيها الإتصال به لتأخذ رأيه في آدائها لجملتها في فيلمها القادم .. فهي ممثلة.


ويجدر الإشارة


 Parc Monceau - Alfonso Cuaron
 أحببت خدعته ، وهي من الطرق المفضلة لي أيضًا ، هو حوار دائر بين رجل وإمرأة ويتناول رجلًا ثالثًا يقيدها مصعبًا عليها حياتها ، وفجأة تكتشف إنه أب وإبنته وهذا الرجل الثالث هو رضيعها الذي يقيد حياتها والأب ذاهب ليرعى حفيده لإنشغال إبنته.


Quais De Seine - Gurinder Chadha
بإعتباري عربيًا أعيش في مجتمع إسلامي يجدر بي الإشارة لهذا الفيلم. يتناول هذا الفيلم قصة حب ناشئة بين مراهق أوربي ومحجبة مسلمة من أصل عربي ، ويتيح لها حوارها إبداء وجهة النظر الإسلامية من الحجاب ويتضامن الفيلم معها.
وإذا بحثت عن المخرجة وهذا حتمي فهي هندية من طائفة السيخ ، وهي صاحبة فيلم (Bend It Like Beckaham)
وهذا هو الفرق بين المجتمعات الناجحة والفاشلة.

أثار هذا الفيلم غيرة الأمريكيين فقدموا New York .. I Love You

وأثار هذا الفيلم غيرتي أنا أيضًا فحاولت إيجاد سحر القاهرة الذي يتحدثون عنه فلم أجد إلا ضوءًا خجلًا كما تراه في نهاية النفق المظلم ، بكل ما إكتسبت القاهرة من إمكانيات في إفساد أي متعة وحولت وجوه ساكنيها لمسوخ مكفهرة ، ويطرح السؤال الذي هو بيت القصيد ... متـــــى؟؟!



الخميس، 15 نوفمبر 2012

المحنة


منذ عام بالتمام تعرضت للتجربة الأسوأ في حياتي.
أدعي ان كل مجند لن ينسى يوم ترحيله أبدا مهما قطع في الحياة أشواطًا. 
لن أسهب في الحديث عن التفاصيل لكني لا أعرف كيف ينبغي أن أذكر يوم الترحيل.
الشيء الأسوأ فيه شعور المهانة اللا محدود ، كالصندوق الذي يُضع ، ثم يُنظّم ، ثم يُعد ، فيسلّم لمستحقه. أظنه ليس ببعيد عن شعور عبيد العصور السالفة ، حياة قاسية بتفاصيلها ودعاباتها السافلة التي تناسبها ، التي تظهر كمحاولات تنقية الماء العكر.
منذ عام بالتمام في التاسعة صباحًا تركت سريري ولم أستلم سريري البديل الا في الثانية من صباح اليوم الثالث.
لعن الله الحرب ، والمتحاربين ، ومسببي الحروب.


لكن الحياة تستمر ، ولدى الإنسان دومًا مخزون من القوة يستعمله عند الحاجة ، ومثل كل المحن يكتسب المرء منها ما يعوضه عنها ويعوضه ما يشكو منه العدالة الإلهية.


Itzer Perlman - Love Theme of Ennio Morricone  (Cinema Paradiso soundtrack
)

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

وديد



في تمام التاسعة صباحًا مر سنا الشمس من الشق الضيق الذي أحدثه إرتفاع العمارات الشاهقة ليخترق زجاج غرفة نوم آخر بيوت الشارع القديمة ، ويضيء وجه وديد شحاتة النائم في سريره النحاسي ، فيستيقظ محدثًا صوت الازيز الذي يقلق كل من لم يعتد السرائر النحاسية على ثباته ويزيح الناموسية ، يرتب السرير والأغطية ويضع الوسادة في الوسط ، يرتدي الروب دي شامبر ، يدير قرص الراديو الخشبي بحثا ... " أعزائي عشاق الموسيقى الكلاسيكية نقدم لكم كونشرتو الفيولينة لسيبستيان باخ على سلم مي الكبير .... " ، يحكم اغلاق النافذة خشية ان يختلط صوت المنزل بصوت الخارج ، يدخل الى الحمام ويتحسس ذقنه ، يكسر الموس لشطرين ويضع احدهم على المرآة والآخر في ماكينة الحلاقة ، ويحلق ، يصل للمطبخ يمسك بعلبة السردين المكتوب عليها سهلة الفتح فيقلبها ويدير قرص الفتاحة بعد أن ثبتها ، يأكل ، يتفنن في صناعة قهوته ، تقاطعه طرقات الباب.



الطارق: جاهز يا أستاذ وديد.
وديد: خمس دقايق يا حاج ، اتفضل اقعد.


تابع الطارق وديد بمزيج من التعجب والاشفاق عندما دخل ليغسل الاطباق والأكواب ، حتى بعدما ارتدي بدلته وأخذ مفتاح شقته من على الشماعة بجانب الباب لكن بلغ العجب أقصاه عندما عاد الى الداخل بعد أن كاد يخرج لينقذ اللوحة من ميل بسيط لاحظه.


وديد: اللوحة دي والدي إشتراها من باريس أيام البعثة بميت فرنك.
الطارق: متاخدها معاك.
وديد: لا. أنا سبق وقلتلك شروطي.
الطارق: إطفي الراديو طيب.
وديد: لا سيبه.


كان الشارع متأهبًا لحدث ، تناثرت المعدات والعمال حول البيت كالسياج وحوله سياج آخر من المارة ظل يبحث منه محصل الكهرباء عن ثغرة يتابع منها ويسأل القهوجي الذي وجده بجانبه عما يحدث.


القهوجي: الاستاذ وديد آخر واحد ساب البيت ، بقالهم 5 سنين بيتحايلوا عليه وكان رافض وموافقش الا لما البيت بقى خطر ومعاهوش فلوس ينكسه ، بس الحاج صاحب الارض عرض عليه شقة في العمارة اللي قدامها .. راجل محترم.
المحصل: هو اللي لابس بدله ده؟
القهوجي: أيوة هو ده ، كان المفروض البيت يتهد امبارح بس طلب انه يبات فيه آخر ليلة ، وأصر انه مياخدش العفش من البيت ويسيبه يتهد بيه.
المحصل: حرام .... هو اتجنن ، امال هيفرش الشقة التانية ازاي؟!
القهوجي: لا مش مجنون ، جايز يكون عايز يمحي أي ذكرى انه فرط في البيت ، أو بيعاقب نفسه إنه باعه ، أصله حاسس بالذنب ناحية جده وأبوه ، بس هي الدنيا كدة.


طعنت معدات الهدم متن البيت فسقط على الفور ، ومعه خرج هواء كان وديد قد حبسه في رئتيه ، وإستدار تاركًا المتابعين ومنتظري المكافآت بين الأنقاض لبيعها وصعد الى شقته الجديدة في العمارة المقابلة التي حجبت عنه ضوء الشمس قبل ساعتين. 

Yann Tiersen - J'y suis jamais alle (Amelie soundtrack)

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

شخرة سينمائية


السينما من اول ما ظهرت فيها تجسيد للواقع مهما كان هدفها ، نيجي بقى للسؤال اللولبي هل مفروض ان السينما تجسد الواقع بكل تفاصيله؟ واللا تحافظ على حد ادنى من مراعاة قواعد دينية أو مجتمعية يفرضها أوصياء؟ واللا نسمح بكل حاجة ونشدد على سن اللي بيدخل؟
المجتمع بيتطور ولسانة بيطول مع الوقت وذوقه بينحط ، يكفي الضجة الرهيبة اللي حصلت على فاتن حمامة لما نطقت "يا ولاد الكلب" في افواه وارانب بتاع هنري بركات سنة 1977 لحد ما وصلنا ان اي حد بقى بيزعل بيقول يا ولاد الكلب!

 الشخرة من أساليب الاحتجاج المصرية القحة ، لو مكنتش بتشخر ليك واحد صاحبك بيشخر ، ولو كنت محافظ على الوسط بتاعك هتسمعها غصب عنك في الشارع.

اول واحد اتحدى الاعراف الضيقة في الشخرة كان يوسف شاهين في افلام اسكندرية ليه بمناخير عزت العلايلي سنة 1978 وبعدين نور الشريف في حدوتة مصرية 1982 وبعدين يوسف شاهين نفسه في اسكندرية كمان وكمان سنة 1990




واخر مرة سمعت الشخرة فيها بعد يوسف شاهين كانت من كريم قاسم في فيلم اوقات فراغ 2006 هتلاقوها في الدقيقة 16


وده ولا بحث ولا بتاع دي مجرد ملاحظة كتبتها في وقت زهق

الاثنين، 3 سبتمبر 2012

تلك الليلة






هل تعرفون هذا الشعور؟ شيء ما بين النوم واليقظة لا أميز فيه الحقيقة من الحلم ، فيه يتداخل كل شيء ، الواقع مع وسع الخيال ويصنع منع عالما جديدا. كنت أقود دراجتي في الشارع الرحب المشجر محاولا الاستمتاع برغم الأزيز المزعج الذي تصدره الدراجة حتى اصطدمت بشيء على الأرض لم أره .. وأستيقظ.
تذكرت حينها ان صوت الأزيز هو صوت مروحة السقف التي يمثل عناء أزيزها رحمة إذا قورن بلهيب حرارة يوليو ، وصوت الاصطدام هو طرقات متكررة على الباب نهضت لأجيبها.

أنا: الست دلال .. اهلاً وسهلاً.
دلال: اقفل يا شريف الموتور ... هيتحرق.
أنا: حاضر يا ست دلال فيكي الخير .. اتفضلي إشربي معايا الشاي.
دلال: لا مش فاضية دلوقتي فرصة تانية.

أغلقت الباب وأطفأت الموتور بعد أن ملأت البراد وأسلمته للنار لأشرب كوبا من الشاي كان في يدي بعد دقائق وفيه عودًا من النعناع الطازج ، قررت أن أشربه في الشرفة مودعًا آخر أشعة للشمس في ذلك اليوم الحار مطلاً على شارعي الضيق القابع في قاهرة المماليك.
رفعت الكوب لأراقب سلوك أشعة الشمس خلاله قبل أن تخرج الست دلال في شرفتها لتكيل للمكوجي نصيبه من الشتائم لأنه تأخر في إنهاء الملابس حتى الآن ، تشبه هذه السيدة فريدا كالو الرسامة المكسيكية لكن من الجانب الشرقي ، بجانب ثقافتها الواسعة ودراستها ومكتبتها التي طالما وجدت فيها ضالتي هي لا تختلف لأول وهلة عن طبيعة نساء المنطقة في الظاهر ، تحمل تناقضات واضحة فلم تكن دعوتي لها لشرب الشاي "عزومة مراكبية" رغم انها غير متحفظة في الملبس أو المظهر أو المعاملة ، لو رأى ساكن جديد لديها - فهي صاحبة العقار - ما كانت تلبس وهي على باب بيتي لفهم الأمور بشكل خاطيء تمامًا وهذا لا ينفي انها لبت رغباتها عدة مرات بعد وفاة زوجها على علم وتجاهل عمدي من الجميع فقد فرضت على الجميع طبيعتها الخاصة حتى صار الجميع متقبلاً لها دون غيرها من النساء والرجال أيضًا في بعض الأحيان.


أنهيت كوب الشاي وأسرعت في إرتداء ملابسي فلدي موعد مع كاهن الكنيسة لأعرض عليه مشكلتي التي تطبع على وجهي الحزن الذي يسألني الجميع عن مصدره وأستمر أنا بالانكار ، لكن لا مجال للهروب من المسئولية بعد الآن.
كاهن الكنيسة شخص معروف في المنطقة بشدة ، الجميع يجلونه ويحترمونه ، أتى قبل أعوام هذا المكان وأخذ على عاتقة توجيه حياة ساكنيها للأفضل بوجه بشوش ويد على يد كل محتاج للمساعدة دون أن يطلب حتى صار له في قلوب الجميع مكانة ، يضع في مكتبه صور له مع قيادات البلاد السياسية والدينية وخاصة مع الأم تريزا التي يعتز بها إعتزازًا خاصًا كما يقول دومًا.

الكاهن: خير يا شريف؟
أنا: الخطية يا أبونا ... الخطية.
الكاهن: مش عارف تتخلص منها.
أنا: أبدًا يا أبونا ، أنا بقيت متعايش معاها
مش عارف أبطلها ومش عارف مبطلهاش عشان مش مرتاح
الكاهن: مفيش راحة بعيد عن ربنا.
الأفكار الشريرة والأوقات الفاضية اللي بتفكر فيها في الأفكار دي موجودة دايما ، أنت جربت تلبي شهواتك وتغلط ومش مرتاح ، طب جرب مترضيهاش على حساب الروح وشوف النتيجة ، الانجيل بيقول ان اجرة الخطية موت وأكيد انت شفت الزاهدين بيموتوا وابتسامتهم على وشهم إزاي وفي نفس الوقت المشاهير كل يوم بينتحروا.
الله هو الخير هو الراحة واحنا بنسمي الشيطان عدو الخير ، طول ما انت أقرب لربنا هترتاح وطول ما انت قريب من الشيطان هتتعب
 القديس أغسطينوس كان فيلسوف كبير ، بيفكر كتير زيك كده لحد ما عرف ربنا وقال انه حس انه على قمة العالم لما لقى نفسه لا يشتهي شيء ، تخيل كده هو قد إيه قوي لما يكون مش عايز أي حاجة على الأرض!
مش عارف تبطل خطية حاول تملا وقتك كله بربنا فيقل الوقت الفاضي اللي ممكن تغلط فيه ، تعالى اخدم معانا في الكنيسة.
أنا: بس يا أبونا ده يبقى أسمه هروب مش حسم.
الكاهن: صح .. إهرب .. بولس الرسول كان بيقول أهربوا من الشهوات الشبابية ، اهرب ، شوف هتهرب ازاي وفين بس اهرب وصدقني ساعتها بس هتلاقي الراحة.
أنا: شكرا يا أبونا.

عدت الى المنزل وأنا أفكر فيما قاله لي الكاهن ، هل يكون الحل في الهروب ، كنت أهرب طيلة حياتي حتى من الأسئلة وظننت ان الآن هو وقت الحسم ، القرارات البتارة التي تتخذ مرات معدودة في حياة الإنسان التي لا يملك سواها.
دخلت المنزل وجلست الى المنضدة بجوار المدخل أفكر حتى طرق الباب.
إنه درويش ، ليس هذا اسمه بل صفته وكسبها إسمًا ، هو أغرب دراويش المنطقة أطوارا حتى أن أتباع الطرق يعتبرونه مخبولًا ولا يعترفون به وليس له من المريدين سوى شاب أخرق يرى فيه النجاح في جذب النساء ، نعم فهذا الرجل كثيرًا ما تزرنه نساء يقضون معه الليل ويغادرون في الصباح ، ترى السيارات الفارهة تنتظر سواد الليل ركابهن ليعودوا بعد أن يفرغوا منه ، لا يعلم أحد كيف يجذب المترفات الي فراشه ، لكن يروي المراهقون عنه أن له قدرة جنسية خارقة وأن ذلك مصدر رزقه ، وهو يسكن في الدور الأعلى لكن لم يحدث أن دار بيننا كلاما من قبل. ماذا اتي به إلي؟!
درويش: ايه يا شريف مبتردش السلام ليه؟! .. مش هتقولي اتفضل.
أنا: اتفضل.
يبدو اني أطلت الذهول للدرجة التي أصمت أذناي عما قال الرجل في الثواني الأولى لدخوله بجلبابه الأبيض الفضفاض وعمامته الخضراء و أحجار سبحته الكريمه التي يفوح منها رائحة المسك دائما.
درويش: معلش يا شريف أصلي بعد ذكر الليلة اللي فاتت المفتاح أختفى من جيبي وست دلال مش موجودة .. ممكن أقعد عندك شوية؟
أنا: بيتك ومطرحك.
-وإستطردت في سري: ذكر! أنت جايلك عين إزاي؟!
 -تشرب إيه؟
درويش: ينسون.
أنا: مفيش صدقني .. أعمل لك شاي.
درويش: مفيش مشكلة.
ذهبت لأعد له الشاي وأخذت أسترق النظر لأرى الحركات المفاجئة الغريبة التي يفعلها ، فجأة تذكرت راسبوتين المعالج الروحاني لأسرة رومانوف آخر قياصرة روسيا وأنا أنظر له وفي يدي الشاي . يا إلهي كم يشبهه.
درويش: بتبصلي كده ليه؟ بتشبه عليا.
أنا: آه فعلا. أصلك شبه واحد صاحبي روسي أسمه راسبوتين.
ضحك درويش بصوت مدوي وازداد معه خوفي.
درويش: مفكرني معرفش راسبوتين!
-وأستطرد ضاحكًا: كل ده عشان الِذكر وشوية النسوان اللي بيجولي ، ده أنت طلعت شايل مني قوي.
أنا: لا مقصدش.
درويش: لا .. تقصد!
-عمومًا أنا هسألك سؤال كل ابن آدم خطّاء مش كده؟
أنا: وخير الخطاؤون التوابون.
درويش: الله ينور عليك.
- سؤال تاني. لما يبقى واحد أبكم ، هل أجره عشان مكذبش زي أجر المتكلم؟
- أو هل أجر العنين عن البتولية زي أجر الشخص القادر؟ ... ساكت ليه؟
- طب هسألهالك بطريقة تانية. انت لو بتدخن تبقى عبد للتدخين صح؟
أنا: صح.
درويش: ولو مبتدخنش تبقى عبد لعدم التدخين!!
أنا: تقصد إيه؟
درويش: أقصد أن اللي مش بيقدر يعرف ستات لسبب أو لآخر وعامل فيها متدين وبيهاجم اللي بيعرفوا مالوش أجر.
أنا: بس هو مش بيغلط ومسيطر على نفسه.
درويش: هو مش بيغلط عشان مش قادر ، بس لقى التدين طوق نجاته من الاحراج!
أنا: قصدك ان الدين مجرد....
درويش: لا. بالنسبة له الدين مجرد.....
أنا: مش فاهمك.
درويش: أقصد ان الحل إنك تدخن شوية ومتدخنش شوية ، تعرف ستات شوية وشوية قدهم متعرفش.
أنا: وكده هعيش مرتاح يعني.
درويش: جدًا. هتبقى أقوى من أي شهوة ، من عملها ومن عدم عملها.

ساد صمت لدقائق أفكر فيه أنا ويشرب فيه درويش مشروبه حتى سمعنا صوت ست دلال على السلم ، فإعتدل درويش وفتح الباب ليأخذ منها مفتاحا آخر بديلًا للذي أضاعه.
درويش: المفتاح يا ست دلال.
دلال: تاني يا راجل يا مخبول انت كل شوية هتضيعلي مفتاح.
- ازيك يا شريف.
أنا: تمام يا ست دلال ، مش هتيجي تشربي الشاي بقى.
دلال: طب هحط الحاجة وأغير هدومي وأجيلك.

ملأت البراد وأسلمته للنار مرة ثانية وحضّرت الكوبين والنعناع وقبل أن تسخن المياه كانت الست دلال تطرق الباب فذهبت لأفتح وأستأذنها حتى أكمل إعداد الشاي.
وأخذت أسترق النظرات ثانية وأنا أعد الشاي ، لماذا إستثارتني لهذا الحد تلك المرة ، دائما ما تأتي إلى بملابسها الخفيفة التي تكشف الكثير من الساقين والثديين فلا جديد. أشحت عنها بنظري وأنتظرت ثوان حتى تهدأ دقات قلبي ويهدأ إنتصابي المفاجيء الفاضح قبل أن أعود إليها.
أنا: منورة يا ست دلال.
دلال: نورك .. مالك يا شريف مش مظبوط بقالك كام يوم؟
أنا: مفيش .. شوية زهق كده.
دلال: ده أنا خبزاك وعجناك .. وجاية أشرب الشاي معاك مخصوص عشان أشوف مالك.
أنا: هقولك .. عندي عدم إرتياح كده تجاه حياتي ، مش عارف أبقى متدين ولا عارف أبطل ذنوب.
دلال: ومين قالك إنك لازم اما تبقى متدين او تبطل ذنوب.
أنا: بس مطلوب مني إني أحاول ألتزم بجانب معين.
دلال: لأ طبعا.
- شوف أنت مطلوب منك انك تعيش ، تسلك في الدنيا وتعدي في الصعوبات اللي بتبقى قدامك وتصيب وتخطيء.
أنا: بس محاولش أصيب حتى.
دلال: تحاول تصيب بس الاصابة مش مطلقة.
- يعني لو واحد ساب ولاده يموتوا من الجوع عشان ميسرقش يبقى أكيد غلطان ، لو واحدة مباعتش جسمها عشان ولادها ميموتوش برضه غلطانه ، لو واحدة نامت مع واحد من غير جواز .. مش أحسن متتجوزه وتطلع ولادها معقدين.
- يعني الواحد ممكن يغلط غلطة صغيرة عشان ميغلطش غلطة اكبر ، زي لما تكون سايق وخلاص هتعمل حادثة ويا تقع من جبل يا تدخل في شجرة.
أنا: مش شايفه الكلام ده فيه شبهة تبريرللغلط ؟!
دلال: لأ طبعا .. بس القرار ده محتاج شجاعة ، مش أي حد ياخده .. والشخصيات اللي باتكلم عليها دي بينتقدها الناس وهي بتتعشى في المطاعم الفخمة.
- والموضوع ده اتطحن من أيام دستويفسكي في الجريمة والعقاب في شخصية راسكولنيكوف والبنت - مش فاكرة اسمها - اللي كانت بتشتغل في الدعارة عشان تأكل أهلها دي ، وفي اللص والكلاب بتاعة نجيب محفوظ وغيرها .. متقدرش تلوم الناس دي.
أنا: والله جايز.
دلال: أنت مشدود ومتوتر وعلاجك عندي.
قالت ذلك بنبرة صوت مختلفة ووضعت يدها على ركبتي من تحت المنضدة فشعرت برعشة وإنتصاب سريع مجددًا.
وأستطردت: هجيلك بكرة الساعة 7 أكون أستعديت ... وأنت كمان ظبط نفسك كدة.

شعرت منذ البداية أنها مختلفة هذه المرة ، لم أنم تلك الليلة وأنا أفكر ماذا أفعل؟ من أنا؟ وماذا أنوي؟ وإلام أهدف؟ من سأكون غدًا؟ وبأي النصائح سآخذ؟ 
لا أدري كيف مرت الساعات حتى دارت العقارب وإستقرت قبل السابعة ليلًا بقليل وإزداد توتري وقلقي ، دخلت وملأت البراد وأعددت لنفسي شايًا كالعادة ، ووقفت في الشرفة أتابع المارة حتى سمعت طرقات الباب فإهتز قلبي من مكانه ، لابد انها الست دلال ، ونظرت الى أقصى اليمين فرأيت الكاهن آت ، وها هو أيضًا الشيخ درويش على اليسار. 

فقد بعثت لهما قبل قليل لأدعوهما الى منزلي في تمام السابعة .. ولنصل جميعنا معًا إلى حل في تلك الليلة.


  نظرت في الملكوت كتير وانشغلت. وبكل كلمةْ ( ليه ؟ ) و ( عشانيه ) سألت. اسأَل سؤال .. الرد يرجع سؤال. واخرج وحيرتي أشد مما دخلت. عجبي !
                                                                 صلاح جاهين

لينك الصورة 

نايم على شط البحر - اذاعة كلنا سوا.
 

الخميس، 2 أغسطس 2012

صغير وكبار



حتى إضاءة الغرفة في تلك اللحظة لم توقظني ، كانت نظرات أبي في الساعة ونظراته لأمي كفيلة بجعلها تصرخ فيّ لأستيقظ من نوم كان أحلى شهواتي لحظتها.
 لم يكن بوسعي الا تسليم نفسي بالكامل لهم "ارفع ايدك." ، "ارفع رجلك دي ، التانية." ، "أقعد." ، "قوم."
كانت تلك مجموعة الأوامر المستخدمة لإلباس أي طفل ثيابه.
كان تركي لخمس دقائق كفيل بعودتي لرحلتي في فضاء صفاء الذهن المسمى بالنوم ، وكان كفيلا بوصول ضغط الدم لدى أمي إلى حد يصعب تفريغه الا في الصراخ. 
انقدت مجددا إلى الحوض ليستقبل وجهي يدا مبللة بماء بارد له فعل الصعق الكهربائي ، تمنيت للحظة أن تطال يداي هذا الشيء الذي تديره فيمنع الماء فمددتهما على إتساعها بلا جدوى قبل ان أُجتذب بعنف "حاسب تبل هدومك".
وكان ذلك إيذانا ببدء الرحلة في الشارع وكان من شروطها الدائمة ابقاء يدي اليسرى مفرودة معلقة الى أعلى حيث يمنى أمي والجري لتعويض إتساع خطواتها عن خطواتي.
تستمر رحلة العذاب تلك مع وقفات متقطعة لمشاهدة الملابس على التماثيل لعلها تناسبني ، وإذا ورد احتمال بأنها مناسبة على ذهنها فتبدأ مرحلة أخرى من العذاب بتكرار أوامر قياس الملابس "ارفع ايدك." ، "ارفع رجلك دي ، التانية." ، "أقعد." ، "قوم."
ثم أتحول كما التمثال الذي تجمعنا حوله قبل دقائق ، الجميع ينظر لي والكل يدلو بدلوه فيما يرى ويبقى القرار للكبار ، وفي الغالب يأتي بالرفض بحجج متنوعة لأني لم أبك من فرط ما سرت بعد.
كان من النادر أن يعجبني أي من تلك الملابس ولم يكتشف فيه الكبار عيبا خطيرا كان عليهم إنقاذي منه ، حتى من غير الملابس كنت أتوقف وأسحب يسراي من يمنى أمي لأقف أمام محل لعب أطفال ، تلك اللحظة كانت صراعا واجبا عليهم الانتصار فيه لجيوبهم ولإتقاء صداع رؤوسهم لو تمسكت بشيء ، فيأتي أبي ليعقد معي اتفاقا "اتفرج بس مش هنشتري حاجة انهاردة ، يوم تاني" فأوافق وأحدد معه ماذا أريد من هنا وهناك في هذا "اليوم التاني". 
ومع مرور الوقت تزداد شكواي من المشي والوقوف ويزدادون استجابة لي فيما أطلب ويتسع سقف مطالبي الى أن يبلغ سقف الجنيهان فيستجيبا إتقاء صراخ طفل موهوب فيما يفعل ، وتزداد مرات وقوفي أمام ما يعجبني من محلات ، أتأمل فاغرا فاي أمام ما لم أعتد عليه كالتلفزيونات الكثيرة التي يصل بعضها لطولي وكلها تعرض أحدى الأغنيات في توافق غريب ، كان يغني ويرقص وأقول لأمي إني عرفت ما يغني في حصة الحساب فتبتسم.
وأكرر التوقفات حتى يبلغ بهم الغضب حده الأقصى فيقدمون على ضربي فأبدأ في نوع من الصراخ الذي يستمر طويلا فتتدخل جدتي وتضمني وتمرر يديها علي مكررة " يا ست يا عدرا حبيه ، وحياة ابنك الحبيب ما تنسيه ، لبسيه توب الطاعة ، والصبر والقناعة ، وطولة البال في كل ساعة ، آمين آمين .. كرياليسون" حتى أهدأ تماما وأستغل ذلك لزيادة طلباتي وانتزاع وعودهم.
 ودائما ما يكون ذلك إيذانا ببداية النهاية لليوم الطويل لشراء ملابسي التي نجدها أخيرا من قبيل الصدفة البحتة ، وأجيب عن السؤال الروتيني الأخير "أيه رأيك." لأجيب "حلو."
 لنعود في النهاية الى منزلنا وأعود الى سريري بعد ان تضاعفت رغبتي لمعانقته.

وتمر الأيام لأصير من هؤلاء الكبار ويكون الصراخ الذي يوقظني هو صراخ منبهي ، واليد الباردة هي يدي ، وما يرهق قدماي هي رغبتي ، وما يرفض حاجتي هو جيبي ، وأكتشف أن "أجمعي وأطرحي أقسمي وأفرحي" التي كان يغنيها حميد لم يقصد منها عمليات حسابية وأن من يرقص وراءه سيحلق شاربه ويرقص ويغني منفردا وأسمه هشام عباس.


 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لينك الصورة

السبت، 23 يونيو 2012

جيمس دين




 


سنة 1955 كان المخرج الكبير ايليا كازان بيدور على ممثل يقوم ببطولة فيلمه الجديد "East of Eden" قدام الجميلة جولي هاريس ، الدور المطلوب معقد وعايز ممثل كويس.
الدور لشاب حساس عنده مشاكل مع والده ، والمفروض ان امه ميتة وهيكتشف انها لسة حية وبيعمل شخصية اخوه التوأم.


"الدور ده عايز مارلون براندو" كان ايلي كازان بيقولها لحد ما اتعرض عليه الشاب "جيمس دين" اللي مكنش مثل غير في شوية اعلانات وحلقات درامية في التلفزيون.




الأول شخصيتة معجبتش كازان ، شاب متقلب المزاج بس حس انه هيبقى مناسب للدور.
لما ابتدا التصوير كان باين على جيمس دين انه مختلف عن باقي الممثلين ، عنده حاجة جديدة.
في الفترة دي كان اغلب الممثلين بتوع مسرح في الاصل فآدائهم استعراضي مسرحي زي يوسف وهبي عندنا كده في فترة من الفترات .... وزي الدور الي كان بيعمله محمود حميدة في ملك وكتابة بتاع كاملة ابو ذكري.
انما جيمس كان آداءه واقعي جدا ومش مفتعل لدرجة انه اكتر من مرة في الفيلم ميلتزمش بالسيناريو ويمثل حاجة تبقى احسن من السيناريو ويقرر كازان يحطها في الفيلم.
زي المشهد ده

  .


اتعرض الفيلم ونجح جدا واخد احسن فيلم في كان وجولدن جلوب .. اما جيمس جاتله ترشيحات أحسن ممثل بس مكسبش.


نجح جدا جيمس واتشهر وقدم فيلم تاني في نفس السنة "Rebel without a cause" وفيلم السنة اللي بعديها بنجاح ساحق" Giant".
تحول في خلال سنة لرمز الشباب الامريكاني الجامد .. الشخصية اللي بتتهافت عليه البنات ، مستقبل السينما الامريكية ابتدا يبقى معروف مين صاحبة ، شركات الانتاج بتغرقه فلوس ، بيعمل اللي هو عايزة ، و بيحب العربيات والسباقات ، بيجيب عربية ويبيعها ويجيب غيرها ويعيش عيشة شاب مترف في نيويورك بكل تفاصيلها.


... ومات في حادثة بعربيتة الجديدة !!!!


الحادثة عملت صدمة بشعة للناس ، نجم عنده 24 سنة ، مكنش حد يعرفه من سنة ، فجأة بقى مشهور ،,فجأة مات.
وتحول لواحد من رموز السينما والثقافة الأمريكية.


وزي ماغنوله الايجلز (بتوع هوتيل كاليفورنيا) "عاش سريع ، مات صغير ، وداعا جيمس" 


السبت، 16 يونيو 2012

المغني







كان حظة حلو في البداية ، شاب من بويرتوريكو لسة مكملش عشرين سنة جاي نيويورك مخصوص عشان يغني ، ومبقالوش فيها اسبوع  واحد صاحبة يعزمة يتفرج على فرقة يطلع المغني اللي فيها بينشز فيطلع مكانه ويلفت ليه الأنظار كمغني مهم هيظهر على الساحة.


ابتدا يغني مع اكتر من فرقة احد ما بقى اسم هكتور على كل لسان ، وفي عز شهرتة مع فرقة صديق ليه اسمه كولون ادمن الهيروين فبقى مش قادر يلتزم بمواعيد الحفلات ، كتير ميجيش وكتير يتأخر لحد ما قرروا ينفصلوا وعمل هكتور لنفسه فرقة.


حاول يتخلص من الادمان لكنه فشل فمر بدورات من الاكتئاب وفي نفس الفترة اللي اكتشف فيها انه مصاب بالايدز والده وحماتة وابنه ماتوا فحاول ينتحر ورمى نفسه من البلكونة لكنه نجى ومات بعدها بكام سنة متأثرا بمرض الايدز سنة 1993.


قدم مارك انتوني شخصيتة في فيلم بيحكي قصته تحت اسم المغني او "el cantante" ودي تعتبر اشهر اغانيه ، كانت بالنسبة لي صادمة اول مرة سمعتها ، قد ايه صحيحة وقد ايه مؤلمة.
 بتتكلم عن الحقيقة المرة ، عمرك في مرة فكرت المغني اللي بيبسطك وبيرفه عنك ده احساسه عامل ايه؟! مش ممكن يكون متضايق مثلا؟!  ممكن تكون مغصوب تشتغل ، بس مش مغصوب تبتسم أو مش مغصوب تخلي الناس تبتسم وده اصعب بكتير.


;






El Cantante



Yo, soy el cantante
que hoy han venido a escuchar
lo mejor del repertorio
a ustedes voy a brindar.

Y canto a la vida
de risas y penas
de momentos malos
y de cosas buenas
.
Vinieron a divertirse
y pagaron en la puerta
no hay tiempo para tristeza
vamos cantante comienza
.
Me paran siempre en la calle
mucha gente que comenta
Oye Hector ah! tu estas hecho
simpre con hembras y en fiestas
.
Y nadie pregunta
si sufro si lloro
si tengo una pena
que hiere muy hondo
.
Yo soy el Cantante
porque lo mo es cantar
y el pblico paga
para poderme escuchar
.
Yo, soy el cantante
muy popular donde quiera;
pero cuando el show se acaba
soy otro humano cualquiera
.
Y sigo mi vida
con risas y penas
con ratos amargos
y con cosas buenas
.
Yo soy el cantante
y mi negocio es cantar
y a los que me siguen
mi cancin voy a brindar.
 .


ـــــــــــــ

أنا المغني 
 اللي جيت انهاردة تسمعه
احسن حاجة عندي
هقدمهالك


وبغني كمان للحياة
للضحكة والالم
للايام الصعبة
والحاجات الحلوة


انت جيت تنبسط
ودفعت مقابل عشان تدخل
مفيش وقت للكآبة
فقرة المغني هتبدأ


دايما بيوقفوني في الشارع
الناس اللي دايما يقولوا
هكتور .. يابختك
حياتك ستات وحفلات


ومحدش بيسأل
لو انا بعاني او بأبكي
لو عندي آلام
تعباني من جوة


انا مغني
لأن الغناء مهنتي
والناس بتدفع
 عشان تسمعني


انا المغني
مشهور في كل حتة
بس اول ما الحفلة تخلص
ببقى واحد تاني


وبكمل حياتي
بالضحكة والالم
بالايام المرة
والايام الحلوة


انا المغني
والغناء مهنتي
ولكل اللي بيحبوني
بهدي الاغنية دي




الثلاثاء، 10 أبريل 2012

تيه



يتوقف التاكسي أمام الكنيسة على بُعد خطوات من بابها حسب التوجيهات الأمنية ، تنزل منه مارينا ، جميلة ، متأنقة ، تبدو في أحسن حالاتها ، يرن هاتفها في حقيبتها خجلاً وسط أصوات آلات التنبيه العالية فتعبث في الحقيبة حتى تجده.
" ألو أيوة يا توتا ، أنا جيت أهو ، السكة كانت زحمة .. عارفة مش هلاقي مكان أمري لله بقى.. باي"


تنتبه مارينا لتجد نفسها لازالت خارج ابواب الكنيسة ، العيون تكاد تفترسها ، تسمع أحاديثا بين مجندين سدت لها اذنيها ، تعدل من وضع الشال على كتفيها و تسرع في خطواتها حتى يختل معدل ضربات حذائها على الأرض.


وصلت أخيرًا لباب الكنيسة ، بين بابي الكنيسة الخارجي والداخلي ساحة تزينت بالألوان والرسومات المبهجة والتهاني متبادلة قطعتها مارينا مبتسمة وارتقت اولى درجات السلم لتدخل الى الكنيسة حتى سمعت صوتا يحدثها.
-"خدي بإيدي يا بنتي."
-"حاضر يا طنط .. كل سنة وانتي طيبة."
مشهد الكنيسة في ذلك اليوم كان فريدًا ، مكتظة بالمصلين حتى فرغت أماكن الجلوس ، وصار على المتأخرين التواجد في تجمعات للواقفين ينظمها شباب الكشافة في الكنيسة ومنهم راجي الذي تقدم للعجوز فور رؤيته لها
-" ازيك يا طنط منورة ... اتفضلي معايا هنجيبلك كرسي."
العجوز: "شكرًا يا حبيبي."
وقبضت على يد مارينا قائلة " تعالي معايا مش هتلاقي مكان."
مارينا: " انتي واسطة يا طنط ولا ايه؟!"
العجوز: " عارفة سيدنا .. يبقى ابني."  وأشارت الى الأسقف الذي يقود الصلاة.


صمتت كلتاهما بعد الجلوس ليصليا ، أغمضت العجوز عينيها في حين اتجهت عيون مارينا تجاه الأسقف في ثيابه البيضاء المزينة بالصلبان المذهبة المخصصة للعيد ، صوته الذي خلق خصيصا للصلاة ، انطباع وجهه أثناء الصلاة ناظرًا لأعلى كأنما يحدث صديق حميم ، لأمه الحق في أن تفخر به ، الشمامسة على يمينه ويساره بلباسهم الأبيض يصلون خاشعين. كلوحة جميلة يتوسطها الأسقف في الهيكل وحوله الشمامسه وخلفهم القديسون في أيقوناتهمم .. يا الله.


أغمضت مارينا عيناها هي الأخرى لتستغرق في الصلاة بعد تلك الطاقة الروحية الهائلة التي غمرتها حتى قطع صوت من الخلف إستغراقها في الصلاة. ، بدا وكأن راجي يمنع أحدهم من الدخول.
-"منتاش داخل الا لما توريني بطاقتك."
-"بطاقة مين يا عم أنت.. أنا داخل أصلي."


التفت الجميع متبرمين من تلك المشادة للخلف ومنهم العجوز التي قالت فور أن رأته.
-"ده صلاح .. تاجر مخدرات وكل حاجة زبالة زيه .. كان سيدنا مصاحبه زمان وهما عيال قبل ما يروح الدير."


تجمع البعض لفض الاشتباك حتى ضمن أحد المصلين ان صلاح مسيحيا فتركه راجي يدخل لكنه ظل قريبا منه تحسبا لأي شيء يبدر منه.


وقف صلاح مع الواقفين في آخر الكنيسة ، وكان الأسقف ينظر بضيق إلى هذه الجلبة الحادثة أثناء الصلاة ، لكنه ما ان رأى صلاح حتى دار بخلده مشاهد حياته ، كيف كان صلاح صديقه؟ وكيف ان أمه أمرته مرارا بتركه لأنه بدأ في التدخين؟ كم صلت له أمه؟ كم دمعت عيناها من أجله حتى ينقذه الله من فساد ذلك العالم؟ بدأ للحظة يتخيل العواقب لو لم يقطع علاقته بصلاح ، وأتجهت أنظاره إلى أمه التي كانت تنظر إليه هي الأخرى مبتسمة كأنها تفكر فيما يفكر ، ليرفع عينيه للسماء شاكرًا الرب لأجل هدايته ولأجل أمه.


خرج صلاح سريعا والكل يرمقونه بأعينهم حتى غادر الكنيسة تمامًا ، وكانت الأفكار لا تزال تحيط بالأسقف حتى ظن مسؤول الصوت بالكنيسة ووجود عطل بميكرفونه فرفع صوته الى أن أطلق صافرة كانت كفيلة بتنبيه الأسقف ، فأستكمل الأسقف صلاته ، ومعه الشمامسة المصلين وكأن شيئًا لم يكن.


تلك الحادثة لم تستغرق وقتًا طويلا ، زمن شرود ، أو إمساكك بتليفون لتقرأ رسالة وصلتك ، ضبط ساعة ، ربط حذاء ، لكنها شديدة الدلالة.


أعترف بأنها ليست قصتي بل هي للمسيح قصها قبل عشرين قرنا من الزمان ، بشخوص عصره وأدواته ، مفضلا صلاح على الأسقف ، كلنا نحفظها عن ظهر قلب وطالما تغنينا بها ونحن صغار تحت اسم العشار والفريسي ووردت في أنجيل لوقا. 




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة من ألبوم دي جويا "النزوات" او "los Caprichos"
واسم اللوحة "
tú que no puedes" او "انت يا من لا تستطيع" 

الاثنين، 19 مارس 2012

هو فيه ايه؟



ايه اللي بيحصل في مصر؟ ايه كم الأحداث الكتيير اللي بتحصل دي؟
رغم اني مش قادر اتابع بشكل جيد الأخبار عشان ظروف الجيش الا ان فيه صورة عندي ايتدت تتكون


الوضع العالمي
الظروف الحالية عالميا بتقول اننا في عصر بدء أفول الامبراطورية الأمريكية وهي ان منحناها يبدأ في النزول وفي الظروف دي بتتجمع القوى الموجودة في المركز التاني ومنها مثلا القوى الصاعدة في امريكا اللاتينية وجنوب شرق اسيا وروسيا
لحد دلوقتي اللي ابتدوا يتدخلوا روسيا وبعد طول غياب الصين وعملوا حلف مع ايران علشان يغلسوا على امريكا فبقت معركة تكتلات وصراعات على مصادر القوة زي الخناقة اللي بتحصل على الدول اللي كانت جزء من الاتحاد السوفيتي زمان بين امريكا وروسيا عشان أمريكا عايزة تضمن ان الغاز الموجود في المنطقة كلها يبقى تبعها ويتباع بالدولار عشان لو متباعش بالدولار العملة هتسقط
الصين وروسيا مسيطرة على التنقيب على الغاز في حتت كتير وروسيا بالذات بتحاول تخلي اوربا تعتمد عليها في الغاز عشان تضرب امريكا وعملت خط منها اسمه نابوكو يوصل لأوربا
في المقابل بدأت أوروبا وفي وسط ظروفها الاقتصادية الزفت بتداعب اوكرانيا وصربيا من دول شرق اوروبا انهم ينضموا للاتحاد الاوربي


تقوم روسيا تعمل ايه؟؟ ترفع سعر الغاز بتاعها عند اوكرانيا فمتعرفش تسدد فتفضل تحت باطها ودولة زي بيلاروسيا تخفض عليها سعر الغاز عشان متبصش برا :)




فتقوم اوروبا تلم من بعضها عشان تساعد صاحبتهم اوكرانيا




لاحظ تصريحات بوتين "انتهى عصر الغاز الرخيص"




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


مصــــــــــــر


علاقتنا ايه بكل ده؟؟ امريكا عايزة حشد ورجالتها يبقوا في صفها ولما لقت التيار الاسلامي صاعد في مصر - بتدبير او لا - شافت انها لازم تتصاحب عليه فصرفت كتيييير جدا عليهم  ليه؟ احنا هنفيدهم في الغاز اولا وهنفيدهم عشان يخبطونا في ايران على اساس انهم شيعة وعندنا وعندهم الدقون مبتتوصاش لو قالولهم بستكك عليه.
مولت امريكا التيار الاسلامي اخوان وسلفيين عشان التمويل مش شرط يكون فلوس في ايديهم لكن في المرة دي تدريب.




ودي القضية المعروفة بقضية التمويل الأجنبي
اللي حصل بقى ان الجيش عرف ان المنظمات دي دربت الاخوان والسلفيين .. عمل ايه؟؟ قام قافش عليهم وسجن كل الناس ومنع الامريكان من السفر وجه رسالة قوية للأمريكان بيقولهم فيها انا لسه الحاكم ولسه القوي يا أمريكان مش هتبيعوني لصالح العيال دول ... يعني لو عايز تكلم شعب مصر تجيلي انا
وأكد كل الكلام ده لما بمنتهى البساطة روح الأمريكان بالعند في كل منظمات البلد عشان يؤكد انه لسه الكبير في البلد دي


الحوار ده خلى البرلمان هيتجنن وضحى فيه الجيش بحكومة كارتها محروق اصلا .. فهيبقى اقصى طموح الاخوان انهم يروحوا الحكومة اللي هي مروحة اصلا بدري شوية ... قفا صقع


كده كده الجيش مش خارج منها .. تخيل معايا 3 فرافير ورثوا بيت ومعاهم الفتوة للي بيحرس البيت ... واقعيا محدش في التلات فرافير اللي هيرأس البيت هيتحرك الا بإذن من الفتوة


اذن الغالب ان الجيش شايف مصلحة مصر في ان التيارات اللي بيسهلها كل حاجة تبعد عن الحكم وهو بيسهلها كل لوسائل انها تفضح نفسها وتوقع نفسها في فضائح زي مناخير البلكيمي وغيرها من الفضايح المنتظرة في الدستور العبيط اللي هيكتبوه عشان الجزء النشط في الشعب يسأم من التيارات الدينية فيحاول اسقاطها او يغمض عينه عن محاولات الجيش لإسقاطها.
والشعب في الأغلب من السذاجة انه يصدق اي حاجة تتقال في الفترة دي


الاخوان بيحاولوا كعادتهم انهم يسيطروا على كل شيء كعادتهم الشمولية وفي نفس الوقت مقلقين من الجيش ومش عايزين يخسروا باقي الجهات الثورية قليلة العدد شديدة النشاط فكل فترة يفقعوا تصريح ضد المجلس العسكري عشان يجاروا الموجة ويعملوا فيها انهم بيراعوا كل التيارات والكلام اللول ده لكن فعل واحد لو ركزت ...مفيش فيبقى الرهان على التسوية والاستقرار لحين انهم يسيطروا على كل شيء مؤسسة مؤسسة


ادينا بنتفرج


وربنا يحمي مصر

الجمعة، 16 مارس 2012

عن الشيخ سيد


عيد ميلاد فنان الشعب سيد درويش 17 مارس 1892 ، الراجل ده عظيم بقدر أعجز عن وصفه. وحسيت ان الطريقة الأفضل للأحتفال بيه اني أشارك معاكم أجمل موضوع قريته عن الشيخ سيد تحديدا من اربع سنين في مدونة بديعة توقفت تحديثاتها اسمها "جار القمر" وواخدة من فؤاد حداد تقديمها "ماليش خيال الا ان رميتني بنور هادي"


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


"تقول القصه ان الشيخ سيد درويش البحر كان يغني في حفل زفاف .. و كانت العاده ان يُفصل الرجال عن النساء في هكذا مناسبات .. و لما انتهت
وصلته اقترب من الحاجز بين القسمين فالتقت عيناه بعيني جليله (العالمه ) الشهيره فابتسمت له وفقد هو ساعتها قلبه ووجد و فزنا بشحنات الالهام تحرك اصابعه على عوده و تحفز خلايا مخه ليرتجل - و اكرر يرتجل - لنا طقطوقة هي من اعذب ما شهدت الموسيقى العربية شعرا و موسيقا


خفيف الروح.



خفيف الروح بيتعاجب
برمش العين و بالحاجب
غمزلي مره بعيونه
لاقيت الحب مضمونه
حرام ان كنت انا اخونه
و عشقي له من الواجب
خفيف الروح


..
معرفة معلومة كتلك كافٍ جدا ليأسرك في رحاب هذا السفاح الموسيقي الى الأبد .. اي موهبة مرعبة امتلكها الشيخ الازهري من الاسكندريه ..عرف عني دوما وصفي لسيد درويش بالراديو الترانزستور الذي يستقبل بثا لا سبيل الا ان يذيعه و لا يملك في صناعته لا ناقة و لا جملا .. و هو مايصدق على انسان عارم الموهبة كمثله مات في الثلاثين من عمره ولم يحفظ جسده فانقطع البث بانقطاع أداة اذاعته
..
جليلة التي كانت ملهمة الشيخ سيد و سببا في امتاعنا بما لايعد من الادوار و الموشحات و الطقايق الغرامية الخالدة كانت لعوبا بما يحق ل(عالمة) في هذا الزمان .. و كان هذا سبا في دفقات اليأس و ندب الحظ و مرارة الهجر التي انتقلت لنا عبر موسيقى الرجل حتى وصلتنا اليوم لتؤثر فينا بعد قرن .. مايسحرني في انتاج سيد درويش المتعلق بجليله هو تلك التلقائية التي تمس روحك بلا استئذان .. مثالي هنا هي قصة الصاغه : يقال ان جليلة صادقت صائغا شهيرا اهداها ( خلخالا ) ذهبيا لم يكن في طاقة سيد درويش - على فقره - ان يبتاع مثله , لكن كان في طاقته قطعا ان يجعل جليلة تندم على قبول الهديه .. و العاشق الجديد يندم على اهدائها


الصاغه
..

syed darwish - el sagha | Upload Music




في الصاغه الصغيره روح تشوف
العجايب و العجب
على الشمال اول دكان
صاحبه جدع اسمه القبطان
عنده حلق خفه و كردان
وآدي الحقيقه و نكتب
تاني دكان سيبك منه
و التالت اللي باقول عنه
تاجر شهير ولا فيش منه
ولكل شيء دايما سبب
رابع دكان سلملي عليه
دا انا قلبي مايميل الا اليه
و الخامس اللي اقبل ايديه
ده يساوي طب كيل دهب
اما بقى ساتت دكات
فاستنى عنده يابو القمصان
تلقى اللي فيه قاضي النسوان
عمر اللي زيه ماينعتب


قسوه .. يصف الشيخ الصاغة وصفا تفصيليا للزائر .. و يعطي وصفا مكثفا بديعا صحيحا مفصلا لحال كل دكان وصاحبه وسبب شهرته او كساده .. و بينما يصف لك في رحلة تخيلية حال كل حانوت يصل بك الى دكان العاشق الجديد و يتأكد اولا من ان يستخدم جملة لحنية تفصل بين الاخير و ماسبقه من دكاكين .. ثم يعيد جملته للتوكيد .. ثم يصف صاحبه بقاضي النسوان الذي لا يمكن - لنقصه - معاتبته .. اشعر كلما سمعت الوصف بقسوته ..اتخيل رجلا شرقيا تاجرا مصريا في العشرينات من القرن الفائت قد يكون ربا لأسره او معلما كبيرا في سوق الذهب ..و قد سبه احدهم بانه ( قاضي النسوان ) .. الذي لا يمكن معاتبته لعوره .. اي قسوة شعريه
..
بيقولوا مره عمل خلخال
ينفع ركاب لتلاته بغال
سالت مين لبسته يا عيال
قالوا جليله ام الركب
..
اها.. الان يتضح السبب .. خلخال جليله ..و من المنصف الآن ان ينتقل السباب الى جليلة المذنبة ولو قليلا .. لكني افضل ان اتخيل قلب سيد وهو لا يطاوعه في سباب جليله اكثر من هذا فيعود ثانية الى التاجر الكبير فيكيل له الذم .. ويشكك في اهليته لان يصبح ( معلما ) في السوق اصلا .. و يصفه بالقواد الذي سيلقى جزاء افعاله فتبور تجارته و تسود حياته
:
ماعرفش ان كان ده معلم
ولا ده للعشاق سلم
صبرك عليه بكره يضلم
و تشوفوا فيه كل العجب
..
الف الشيخ سيد مصيبته تلك ولم يكتف بذلك .. بل زار الحارة التي تقطنها جليله .. و جمع اطفال قاطينها الذين يلعبون فيها طوال النهار و جلس يحفظهم لحن الاغنية و كلماتها حتى اذا ظهرت جليلة غنوها لها في ( الرايحة و الجايه ) فتتميز غيظا و تموت قهرا و ندما
..
غير ان ما حدث كان اكثر من توقعات سيد بكثير .. انتشرت الغنوه و انفجرت شعبيتها حتى اذيعت في الاذاعات الاهليه و غناها مطربي المسارح التي تعمل فيها جليله و المنافسة لها ايضا .. و صارت الاغنية على كل لسان .. و تدفقت جموع الناس الى الصاغه لترى صاحب المحل الشهير .. الذي اضطر بسبب الفضيحه الى غلق متجره و قطع رزقه حتى تنتهي الضجه .. و اعتزلت جليلة حسب القصة العالم و مكثت في بيتها حتى قررت الاعتذار للشيخ السيد فأتته باكية طالبة منه السماح فعادت المياه الى مجاريها
ليعود فيغني لها رائعته : انا هويت و انتهيت وليه بقى لوم العزول..و يؤكد في نهاية الدور انه ( احبه حتى في الخصام و بعده عني يا ناس حرام ) كم كانت محظوظه هذه الجليله حتى تخلد في التاريخ بهذه الصوره
انا هويت - سيد درويش


..


بالموسيقى ايضا بكى سيد درويش على حاله .. و اطربنا معه , في عام 1922 كتب سيد درويش لصديقه حسن القصبجي هذا الخطاب
بخط يده
:


..
يقول الجزء الثاني من الخطاب بعد السلامات و التحيات
:
"و اما مسألة سهرك للصبح إذا كان في غير الاستحقاق تطرشه انت و من معك ولو يزعلوا و اللي يزعل يشرب من .... لغاية الانفوشي و السلام ختام , آمل ان تكون كما انا اليوم قاطعت كل شيء نظرا لحادثة وقعت امامي في الخاذزندار " وهو هنا يشير الى اقلاعه عن المخدرات بسبب حادثه شهدها بسبب تعاطي جرعه زائده اخافته .. لا بد هنا ان ابدي اعجابي الشديد بلغة الخطاب السكندريه الشعبيه الاصيله : تطرشه و اشرب من البحر و غيرها في خطابات كتبها سيد و اغانٍ لحنها و الفها و غناها تزيد شعوري بالألفة مع الرجل .. لم يكن سيد درويش من النخبه و لا من فنانيين الامراء او الملوك .. كان قهوجيا من كوم الدكه .. ظهر هذا في الحانه و طريقة حياته وظل -لحسن الحظ - بنفس طباعه حتى مات كما مات آلاف من المصريين من ابناء جلدته في هذا الوقت: جرعة كوكايين زائده
..
في الحقيقه كانت المخدرات شائعة جدا في هذا العصر حتى كان الحشيش يدخن على الارصفه .. لكن اضرار الكوكايين كانت الاكثر بروزا و الاسرع ظهورا .. .. الكوكايين هو اصعب انواع الادمان الذي لا يرتبط فقط بجانب نفسي بل بجانب عضوي قوي و يصعب علاجه .. بالاضافة طبعا الى سهولة الحصول عليه وقت كانت مصر ولاية بريطانيه و سوقا مفتوحه حره لكل البضائع و الوافدين و الثقافات .. في عدة الحان سخر الشيخ سيد من الكوكايين و عظم ضرره بل و شتم متعاطيه .. المشكله انه ايضا وقع في براثنه و لم يستطع فراقه .. في (لحن الكوكايين ) نسمع المرارة التي يشي بها صوته في واحد من اكثر التسجيلات التي سمعتها في حياتي صدقا
..
تخيل معي : رجل في الثلاثين يملك موهبة موسيقية سماويه و يحاول الاقلاع عن واحد من اكثر المخدرات قوه و اصعبها في التخلي عنه .. يعلم اثاره لكن مابيده حيله .. ثم ضع كل هذا على اسطوانه تسجيل .. لحن الكوكايين هو واحد من اكثر التسجيلات التي افزع من مجرد تخيل ضياعها كالذي ضاع من اسطوانات


الكوكايين - طارق حسن
 
..
اشمعنى يا نخ
الكوكايين كخ
ده اكل المخ هلكنا اعمله على غيرنا
رايحلي تطخ
و جاي تبخ
شطب هو انت شريكنا حتى في مناخيرنا
ايش عرفك انت يا دونكي
المدعوقه دي بخنفتها بتكلفني
كوكايين كام في ليلتها
ياما راح قناطير جواها
من القزايز اياها
صحه ماصحه
لا اله الا الله ها ها ها راحت مورتم
..
اداء مليء بالمرارة بامتياز .. احب ان اصدق ان الشيخ يخاطب نفسه اللائمة اياه على استمرار ادمانه .. ثم يبرر بان القصة خارج سيطرته .. ( المدعوقه ) انفه يصوتها الاخنف هي اصل الفساد و سبب كل شر .. صحه ما صحه .. ثم ضحكة تقطر مراره تنتهي بمورتم (وهي كلمة يونانيه تعني الموت ) لتنهي القصه كما يجدر بها ان تنتهي .. اداء الشيخ لكلمتي نخ و بخ يدعيان الى الذهن فورا تقليدا سكندريا اصيلا في استخدام اصوات سقف الحلق كاداة استنكار .. هل يحتمل ان يكون هذا قصد الرجل ؟؟ احب ان اتخيل هذا
..
العايز اهبل
يا خواجه زنفل
يروح ابو زعبل و ابوها علشان تنشيقه
و لا خمسه جرام و لا عشره جرام
بيقضوا اخوك دانا اشطب على مية توريقه
..
مش غايته الجيب حاينفض ؟
ايه يعني
المخ يأكسد؟
ايه يعني
نشمه ابيض يطلع اسود


..
لا اروع هنا من الجمله اللحنيه في السؤال و الجواب : مش غايته الجيب حاينفض ؟؟ فيرد علي السؤال من اسفل السلم الموسيقي : ايه يعني .. فيسأل من اعلاه ثانية : المخ يأكسد .. فيرد من اسفله ثانية و كانه شيطانه الساكن بداخله : ايه يعني
..
و في النهايه يسود السؤال الذي يقرر حقائق : نشمه ابيض يطلع اسود
..
ياما حكما و اجزاجيه
ياما حانوتيه و تربيه
بقوا اغنيا على حس الكوكاينجيه
هي هي هي شوفوا الدنيا
مابقينا صم بكم عمي
ترلم برلم يا افندي البيجي بيجي بيجي

من السما احنا وقعنالك

و انتي استلقتينا

يا مصلحة الجمارك
حاتلاقينا تفليته ورا تفليته
حانموت ميه و رميه
و اخرتها تيري بيتي تيتي
ع العباسيه
حوشيني ياما
ع العباسيه
دي مناخيري
طولت شويه
دي مناخيري
طولت شويه
..


الجزء الاخير من اللحن لا يمكن وصفه .. مقارنة بسيطة باول اللحن يضعك فورا امام استنتاج قدرة سيد درويش الوهميه على تغيير مزاج وحالة الاغنيه من النقيض الى النقيض .. الجمله اللحنيه في جملة : تيري بيتي تيتي تعطي شعورا بالجنون و الاختلال العقلي .. لا اظن ان احدا استطاع حتى الان التعبير عن هذه الحاله بهذه الدقه بمقامات عربيه .. يتخذ اللحن في النهايه طابعا كوميديا و يكرر سيد درويش اخر شطره بصوته لكن بطريقتين مختلفتين .. في المره الثانيه حين يقول : دي مناخيري طولت شويه .. يعيدها من القرار اللحني .. من اسفل السلم .. لا املك الا ان ابتسم حين اسمع هذه ال(تهييسه ) اللحنيه التي يزيد عمرها عن قرن .. اي عبقريه
..
تستطيع تبين واقعية الكلمات و صدقها حين تعرف مثلا ان الكوكايين يسبب طبيا ضمورا في الحاجز بين فتحتي الانف مايؤدي الى تشوه يسمى بانف سرج الحصان ماينتج عنه زيادة طول الانف قليلا و نقص ارتفاعها
!!
..
بقي جانبين من حياة سيد درويش اريد ان اناقشهما هنا من خلال موسيقاه .. الاول هو لقبه كفنان الشعب .. وهو لقب - على كراهتي للبروباجندا الاعلاميه - اجد نفسي اتفق معه قلبا و قالبا .. كما ذكرت اعلاه ظل سيد درويش هو القهوجي ابن كوم الدكه الذي قاسى الامرين في حواري و شوارع الاسكندريه و ارتبط باهلها و عمالها و نساءها و اطفالها و رجالها .. اعماله تنضح بهم و الحانه تقتبس كثيرا من موسيقاهم الشخصيه .. سجل اصدقاء سيد د رويش كثيرا حوادث استعان فيها كملحن بالناس لمساعدته ..و كم من مرة سمع فيها درويش لحنا اعجبه من بائع متجول , صياد , راعي غنم , تاجر او حتى مجذوب متصوف و ترجمها لحنا بقى حتى اليوم .. مثالي الموسيقي هنا هي لطقطوقه استقاها الشيخ من غناء نساء المدن في اعراس بناتهن واولادهن .. ( يا هادي ) التي كتبها بديع خيري لا تخلوا من شحنة وطنيه جميله تشجع الصنعه المصريه بحماس مغلف برائحة الشارع ... درج بديع خيري على دس قضاياه الوطنيه التي تشغله و تشغل مصر في وسط الاغاني ليُكسِبها ربما شعبية او بعدا تاريخيا او كليهما . لا تملك و انت تستمع الى يا هادي الا وان تتذكر الصوانات و الافراح التي تقام في شوارع المناطق الشعبيه حتى اليوم في المدن و الريف .. و لا بد ان تسترجع طقوس العرس الذي يبدأ بالحنه و نقل الاثاث و الزغاريد المصاحبه و ينتهي بالفرقه الموسيقيه و المطرب و احيانا الراقصه و يتخلله ما سجله بديع و غناه سيد من ضيق يد والد العريس او العروس , تضامن اهل المنطقه و الحق في المتعه و اللهو و لعب الكوتشينه و الشرب و الاكل حتى الصباح..زفاف مصري صميم مائة بالمائه
..


يغني حمدي رؤوف : يا هادي
..
يا هادي يا هادي
اجلي مزاجك يابو زقزوق الليلادي
يابن حارتنا يانوارتنا
حتى بناتك جه بخت اجوازهم نادي
دوروا ماتخلوش مزيكا
الا اما تجيبهولنا تدقلنا
عشرة بولكه النبي يا ماريكا
الليله الحظ يحقلنا
المسأله هاصت .. ابسطها يا باسط
ليله صباحي و قعده ناديه
للالاتيه واولاد راضيه
..
حتى يصل الى
:

بكره الموبيليا تيجي من مارسيليا
ليه ؟؟ لاهو نجار مصري ايده قصيره
و لا صنعته ناقصه تموردن ؟؟
و النبي لو ترسي على حصيره
ولا حوجه لمارسيليا و لندن
يا هادي
:)
الجمله اللحنيه هنا مصريه بامتياز .. نح جانبا الايقاع و الوتريات و التوزيعات التي تميز اعادة تسجيلات الستينات و تخيل اللحن يُردَدُ باداء الحضور في ليلة حنه او زفه باصوات عاديه قد تنشز احيانا و قد يصاحبها الزغاريد وضرب الكفوف او الطبل البلدي
..
اما شعريا فلا حاجة بي لان اذكر بديع خيري .. البحر الزجلي الهادر و صاحب اكثر التعبيرات المصريه سلاسة و اصالة في وصف الاحداث و الظروف و الامكنه .. .. ( ده بقف مين اللي يألس ) هي مثال لا يحتمل اللبس على مصرية هذا المشروع الفني الشعبي الذي لا يتجمل و يسمي الامور بمسمياتها
:
ده بقف مين اللي يألس - سلمى صباحي
 


..
ده بقف مين اللي يألس على بنت مصر بأنهي وش
و النبي يجري يتليس ماطلع كلامه طظ! فش!
النوه النووه
هي هي هيه
شغل البكش ده يا أختي مابقاش ينفعنا دلوقتي
دي المصرية كتّر خيرها في التربية سبقت غيرها
يا سيدي إنت

البنت تفضل محبوسة قال جوه بيتها يكون أظبط
و اللي يقولوا عليه موسى , يمكن يكون فرعون و ازرط
العفو العفو
يا سلام
يا سلام يا إخوانا دي العبرة ماهيش في جوة و لا برّة
عمر الحرة ما تبقى عرّة عمر العرّة ما تبقى حرة
يا سيدي إنت

باردون يا فندي بالذمة إيه بس عيب المصرية
الدنيا ضاقت بيك لما ماتاخدش غير الأفرنجية
إفهم
و إعقل
يا أهبااال
يا أهبل ليه غيرنا يفارقنا ماتخلي زيتنا في دقيقنا
دي المصرية تبيض وشك الأفرنجية عينها في قرشك
يا سيدي إنت

اللي ماتكتبش و تقرا الدجالين قالعين عنها
وتو ما تقع البقرة مالحق ما تكتر سكاكينها

إخه إخيه ..إخييييه تفوا عالجهل ميت تفة
يالا نكسر وراه شقفة من تعليمنا أهلنا خايفة
واقعين ليه من قعر القفة
يا سيدي إنت

خليها دي حلقة في ودنك من قبل ما تقري الفاتحة
أول كلام تقوليه لابنك وطنك مافيش زيه دحه
م النيل إمبوه
حبووووه
حبه يا نونو بالأكتر من بابا و ماما والسكر
منه الـتسة و منه الممه إوعك تنسى فرض الأمة
يا جدع إنت

كلمات الاغنيه بخط سيد درويش نفسه






كلمات تقدميه تحرريه لا معقوله .. و ايضا مصرية قحه .. لا اظن ان غير بديع و سيد ذكرا كلمات ك( اظرط ) و ( يتليس ) و( طز فش ) قبلهما او بعدهما .. يفلت النظر ايضا ما يطرحه من افكار اعتبرها ثورية حتى في عصرنا هذا -للاسف .. كيف ان تعليم الفتاه واجب و ان الجهل اكثر ضررا من الفساد الذي يتصوره اهاليهن .. و يتحدث في نفس الوقت الى الفتاه التي تربي جيل المستقبل .. يخاطب الطفل بالفاظ نستخدمها معهم .. تسه و دحه و ممه و امبو و تكون الوصيه هي حب الوطن و الا ينسى واجب الامه .. سيد و بديع هما خير تمثيل للمرحله الذهبيه من تاريخ مصر .. حيث المشروع الوطني للتسامح و التعدديه و الامل في المستقبل .. في اغان ٍ اخرى تمثل المرأه و الفتاه اهميه كبيره لهما كمفرخة لما سيلي من اجيال يؤمل ان تحمل الخير للبلد .. في (بنت اليوم ) تتكلم الفتاه المصريه لتطالب بحقها .. فهن يحملن الشهادات و الدبلومات و يعرفن السياسه و لغات العالم .. و يطرح بديع افكارا ثوريه تقدميه مجنونه - بالنسبه لزمنها و للآن - فيقول مثلا على لسان النساء المصريات


بنت اليوم
..
ليه جوزي مايحلش محلي
يكنسلي ويطبخلي و يقلي
و انا اروح اقضيله طلباته
و عيشتنا تبقى ترللي
اشمعنا في اوروبا الستات
ليهم صوت في الانتخابات
احنا كمان لازم نفوقهم
هنا في بلادنا و نبقى فوقهم
دي المصريه من نشأتها
مافيش زيها ست في بيتها
ان كان في حبها لبلادها
و لا في تربية اولادها
..
ملحوظه صغيره على اللحن الغير عادي .. في اوائل العشرينات من القرن الفائت كان ايقاع اي غنوه لا يختلف عن وحدات كبيره مكرره بطيئه و ثقيله .. ادوار و موشحات و طقاطيق طويله تهدف التطريب و ابراز الصوت ... استرجع مثلا اغاني منيره المهديه و فتحيه احمد و حتى عبد الوهاب كمثال .. لذا كان معنى ان يؤلف سيد درويش لحنا كبنت اليوم على ايقاع فالس غربي سريع راقص عملا موسيقيا ثوريا لاقصى حد
..
في مثال اخر هام للجانب الثاقب في رؤية درويش للواقع المصري يقول بديع خيري في ( بكره يا بنتي ) التي تنصح فتاة قبل زواجها عدة نصائح


بكره يا بنتي - حسن درويش




واذا ربنا من عليكي بالخلفه الحلوه و نعيمها
حطي دايما نصب عنيكي الامه بنسبة تعليمها
لما تلتين رجالتنا يشتغلم بس في وظايف
ازاي تتقدم صناعتنا و تجارتنا تكون هاي لايف
فهموا اولادكم يا اخوانا
العبره ماهياش بوظيفه
كل حرفه تفيد اوطاننا متى كانت حره و شريفه
..
وهي ابيات تلخص مأساة سوق العمل في مصر في ايجاز لا يخل ..كم من المدهش ملاحظة نفس الهموم و الافكار التي كانت في مصر منذ قرن تتكرر حتى تصل الينا اليوم .. ظاهرة بلد الشهادات و البطاله المقنعه و نقص الحرفيين و الايدي المؤهله هي اشياء لفتت نظر درويش و بديع فغنوا عنها .. ستندهش الى اي مدى تنطبق بعض اغاني درويش على الواقع في مصر حتى اليوم .. مثال ذلك حدث لي شخصيا في وقت مررت فيه بأزمة نفسية تلت ماشهدت من عنف طائفي هنا و هنا .. صاحب هذا قراءتي لتاريخ مصر الليبراليه قبل الثورة و الحياة السياسيه و الاجتماعية و الزخم المجتمعي الذي نفتقد عشره اليوم .. اتذكر متابعتي باحباط لاخبار العنف الطائفي لاعثر فيما يشبه الصدفة المرتبة على تسجيل بصوت سيد درويش من لحن السياس البديع



لحن السياس - سيد درويش

..
اسمع اسمع مني كلمه
ان كنت صحيح بدك تخدم
مصر ام الدنيا و تتقدم
لاتقول نصراني
و لا مسلم
ولا يهودي يا شيخ اتعلم
اللي اوطانهم تجمعهم عمر الاديان ماتفرقهم
يمينك .. شمالك .. اوعى
..
و كأني صادفت علامه كونيه غامضه وموجهه .. كانت تلك هي موسيقى المرحله بلا جدال .. نصيحة بديع و درويش التي تتردد الى الان مازلت اؤمن بضرورة تحقيقها و الكفاح في سبيلها
..
ذاك اكثر ما يعجبني في الشيخ سيد درويش.. مناضل بلا شعارات حنجوريه و لا ايديولوجيات .. مناضل شعبي صميم بلا اتجاهات الا مصلحة الوطن .. في ذهني الان الاف الامثله لاشياء غناها سيد درويش معلقا فيها على حال مصر ايامه : الفساد , احوال الموظفين , العمال , الفلاحين, الصنايعيه , الطلبه و الساسه ..لم اظبط سيد د رويش يوما يغني لتيار او سياسه ..ولم اسمعه يغني الا لقضايا اجتماعيه تهمنا حتى اليوم و ستهمنا لمدة طويله اتيه .. تجري الآن محاولات لادلجة سيد درويش وجعله رمزا وطنيا مطالبا بحقوق العمال و مدافعا عن العداله .. ارجوكم توقفوا عن هذا .. الرجل ابسط من هذا بكثير.. و اهم من هذا بكثير ايضا
..
في لحن السياس الذي ذكرته الان يقود درويش عربة مصر التي ينادي سايسها للناس ان ( اوعى يمينك .. اوعى شمالك ) في لحن يضم في خلفيته نبرات ( استكاتو) اوتار الكمان التي تعطي بطريقة ساحرة صوت خطوات الحصان الذي يجر العربه باسلوب لا اصدق انه تم تسجيله في العشرينات من القرن الماضي .. هذا جزء هام ايضا في مشروع سيد د رويش .. اطلت كثيرا لكني اود ان اترك مثالين للتعبير الموسيقي و رسم الكلمة باللحن كما فعله العبقري ابن كوم الدكه
..
اللحن ( المصيبه ) كان الشيطان - يغني هنا عبد الوهاب مقطعا منه .. عبد الوهاب قال يوما انه قد يتخلى عن كل ما الفه و ما سيؤلفه من موسيقى ليلحن كلمة ( يا ساتر ) كما لحنها سيد في هذه الغنوه .. سياق الكلام يعطي شعور الامتعاض و الدهشه و الخوف و التعوذ الذي عبر عنه اللحن بصوره لا مثيل لها .. اسمع و احكم بنفسك


كان الشيطان عبد الوهاب
 
..
المثال الثاني و المفضل لي شخصيا هو في اغنية خلقها درويش من اجل جليله .. ( ياللي قوامك يعجبني )  .. يقال - و ساصدق بلا جدال - ان جليله كانت فارعة الطول رشيقة القوام .. اي شيطان يلحن كلمة ( قوام ) بمد الالف على درجات سلم المقام صعودا ثم نزولا في كلمة يعجبني ليعبر عن طول القوام


ياللي قوامك يعجبني - سيد درويش
 
..
كيف بالله الا يقع اي انسان في سحر موسيقى هذا الرجل"




http://jarelkamar.manalaa.net/Sayed_Darwish