الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

كريستوف كيسلوفسكي





قبل أسبوع قال المخرج داوود عبد السيد لمضيفته في حلقة تلفزيونية انه قصد في فيلمه الكيت كات حالة العجز الموجودة في كل شخوصه و قصد حالة التيه الذي تعرض له جيل كامل أُعد للإشتراكية ثم تهاوت من أسفله في فيلم أرض الخوف ، وأن أي تحليل مختلف يمثل آراء أصحابه فقط و لم يكن مقصودًا منه بأي شكل من الأشكال.
كان داوود واثقًا و شجاعًا لما أنكر كل التفسيرات الإستعراضية للكتّاب في أنجح أفلامه بدلاً من إكمال الإستعراض أو حتى ترك المساحة للسيرك المنصوب على عبقريته.

أرهقتني في السابق المحاولات المستمرة لقراءة رموز الأفلام عن طريق إعادة مشاهدته أو الإطلاع عن مقالات كتبت عنه ، لكن مع كيسلوفسكي فالأمر مختلف ، يعبر كل فيلم عن حالة محددة تتلخص في كلمة واحدة هي في الأغلب الإسم التجاري للفيلم ، سؤال محدد أو شعور بعينه ، خط واحد تدور فيه الأحداث ، وإن ظهر خط آخر تجده إنعكاس للخط الرئيسي.

العابر أمام شاشة تعرض مشهدًا لكيسلوفسكي يستطيع تمييز بصمته بوضوح ، سينما تعبيرة ، شاعرية بإمتياز ، يمتزج موضوع الفيلم بالصورة ، بالموسيقى التي تبدأ قوية (forte) بعد صمت لتعلن عن جملة مهمة تأتي على لسان ممثل يعكس وجهه معنى تصنعه معه الصورة والإضاءة وحركة الكاميرا.
قد يضمّن رموزًا ، لكنها غير فلسفية كرموز بيرجمان مثلًا ، هي كطبيعة أفلامه حسية نابعة من المباديء والمشاعر الإنسانية كهدية البولندي المتهرب من التجنيد والمنتقد لسياسات بلاده ومباديء سكانها في السلسلة التلفزيونية من عشر حلقات عن الوصايا العشر التي أمر الله بها نبيه موسى وشعب إسرائيل بحسب العهد القديم عام  1989 التي قدمها لعشاق الصنعة السينمائية كغلاف للدفقة الشعورية التي تنتاب مشاهديه عبر صورة جمالية مغرقة في الحرفية مع تكثيف للمعنى المقصود في الأحداث وطرحه و القدرة الدائمة على التدقيق في التفاصيل.


لكن لثلاثيته الشهيرة - التي حملت أسماءها ألوان العلم الفرنسي الأزرق والأبيض و الأحمر وتحمل قضاياها الحرية والعدالة والمساواة وهي مباديء الثورة الفرنسية - مكان خاص عندي ، أُعيد مشاهدتهم كل فترة ، ربما لأنهم أول ما شاهدت من أفلامه ، وربما لأنها آخر ما صنع ووضع فيها كل جهده وأحدث الإمكانيات التقنية وقتها وقرر الإعتزال بعدها.

لا أعلم كم من مشاهديه لاحظوا مرور - مجرد مرور - بطل الفيلم الثاني "أبيض" ضمن أحداث الفيلم الأول "أزرق" في مشهد دار بالمحكمة في تقاطع سحري بين أحداث الفيلمين!


يروى أيضًا أن كيسلوفسكي أعطى 5 ثوانٍ زمنًا للقطة من فيلم "أزرق" تمسك فيه جولييت بينوش بمكعب سكر تمس به القهوة حتى يتلون المكعب بلونها ، لكنه لم يجد مكعبًا يحقق له الزمن المطلوب إما أطول أو أقصر ، فكلف كيسلوفسكي مساعده بالبحث عن مكعب يذوب في خمس ثوانٍ حتى وجده! أي إهتمام بالتفاصيل هذا!

ليست هناك تعليقات: