انتبهت مؤخرًا الى مشهد من مسرحية ألابندا التي ضمت كل نجوم الساحة الآن في بداياتهم وكانت اسهامًا قويًا في مسيرتهم ومن اخراج احد اهم اساطين المسرح المصري سمير العصفوري ، المشهد يضم محمد هنيدي و ماجدة زكي ، تنطق فيه ماجدة بأحقر "إفيه" عنصري سمعته في تاريخ مشاهدتي للسينما والمسرح المصري.
يُعرِّف فيه محمد هنيدي شابًا أسمر طويل القامة بإعتباره أخيه فتجيبه ماجده "يعني امك مخلفاه ولا مصطاداه!"
"الافيه" يستمد حقارته من بناءه على ميراث عفن من العنصرية ، كأنه قيل قبل قرنين في العالم الجديد ، وصمة عارعلى جبين كل من شارك في المسرحية ، وياللأسف ضحك الجمهور.
شجع نجاح المجموعة في الأبندا انتاج اول بطولة لجيلهم في "صعيدي في الجامعة الأمريكية " الذي حقق اعلى ايرادات في تاريخ السينما في ذلك الوقت ، معهم سعيد حامد الذي أخرج هذا الفيلم في ثاني تجاربه بعد فيلم "الحب في الثلاجة" الذي لم ينجح جماهيريًا ، ضم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" افيهات عنصرية أيضًا لكنها لم تكن بنفس الحدة عندما وجه خطابه للفتاة السمراء.
-"بتطفي النور ليه ما انتي مضلمة خلقة."
المثير في الأمر ان سعيد حامد نفسه أسمر اللون ، وحسب تعبير فيلمه مضلم خلقة!
وضحك الجمهور أيضًا.
والواقع ان صعيدي في الجامعة الأمريكية هو كليشيه عنصري من كليشيهات النجاح الجماهيري في السوق المصري ، ويقصد به تكرار نفس الأفكار بإستمرار حتى تصير مبتذلة ، والكليشيه هنا في المزج بين الصعيدي أو القروي والمجتمع المتمدن المحتك بالعالم الخارجي ، مفتاح يتيح للكاتب سرد مواقف تجتذب ضحك الجمهور تسفيهًا من الصعيدي في مظهره و حديثه ، لجأ هنيدي لهذا الكليشيه مؤخرًا في "رمضان مبروك" و "مسيو رمضان" ، ليستعيد نجاحه ، كما صنع منه أحمد مكي سلسلة "الكبير" ، التي تعج بالعنصرية والطبقية ، قال الصعيدي لزوجته "قوليلي يا بيبي" ولازال الجمهور يضحك.
يمكن بسهولة رصد افلام اخرى كثيرة تستخدم نفس الكليشيه ، أو إفيهات عنصرية أخرى في إتجاهات مختلفة ، لكن هل الفن في هذه الحالة يؤثر في الجمهور أو يتأثر به؟ تجاريًا السينما تلبي رغبة جمهورها ، ولا يمكن لوم العاملين في الصناعة على ذلك ،و لكن هذا لا ينفي ان هناك افلامًا قد تسببت في تغيير على ارض الواقع مثل أريد حلاً في مصر و روزيتا في بلجيكا مثلاً.
تكرار نفس الافكار في الأفلام نتيجة طبيعية للإستسهال ، توليفه مضمونة النجاح ، سهلة التنفيذ ، وطالما لازالت تحقق المكاسب ، اذن هي قابلة للتكرار ، لكن استسهال تحقيق النجاح الجماهيري أوصلنا لنقطة قاتمة أخرى ، تجاوز السينما في السخرية العنصرية من بعض افراد المجتمع اوعرض سلوكيات شاذة مداعبة الرواسب لدى مشاهديها بهدف جذبهم تسبب في تشجيع الأفراد على تلك الممارسات أكثر فأكثر ، مما أدى بنا لتفشي ظواهر العنصرية و التحرش في المعاملات اليومية في الشارع المصري.
لكن ما الحل؟ طالما كنت ضد سلطة المنع الأبوية ، لا أثق بها ، وأعتقد ان مفاسدها أكثر من منافعها ، وأرى الحل في إنتقال سلطة الرقابة من شخص مفرد إلى المجتمع ككل ، علينا أن نرفض تلك الممارسات ، نرفض ضحكًا مستترًا خلف سخرية عنصرية ، نرفض بطولةً بنيت من سلوكياتٍ شاذة ، نرفض تكرار هذه السلوكيات ممن حولنا في الحياة العامة ، الرفض مؤثر ، الرفض ينفي الإجماع ما يضعف موقف المخطيء ، الرفض الآن ضرورة ، سلاح في مواجهة أمراض المجتمع ، حماية لنا و لأبناءنا ، أرفضوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق