الجمعة، 2 أبريل 2010

الجمعة العظيمة

سار مستسلما للمقادير . هبط السلم المظلم محاذرا ووقع الاقدام الثقيلة يتبعه . وغشية الظلام والحيرة والشر الذي يتهدده فلم يكد يفكر فيمن هرب ولا فيمن خان . وران عليه حزن شامل عميق فغطى حتى على مخاوفه . وخيل له ان ذلك الظلام سيمسي صفة الدنيا الملازمة . وانتهوا الى الحارة فقطعوا الحي الذي لم يبق فيه مريض بفضله وتقدمهم حندوسة نحو حي آل جبل فمروا تحت ربع النصر المغلق حتى خيل اليه انه يسمع تردد أنفاس والديه . وساءل نفسه لحظة عنهما فخيل اليه أنه يسمع نحيب عبده في الليل الصامت ولكن سرعان ما استرده الظلام والحيرة والشر الذي يتهدده . وبدا حي آل جبل هياكل اشباح عمالقة غارقة في الظلام ، ما أشد الظلام وما اعمق النوم! أما وقع اقدام الجلادين في الظلمة الحالكة وأطيط نعالهم فكأنه ضحكات شياطين تعبث في الليل . ومضى حندوسة نحو الخلاء . بحذاء سور البيت الكبير فرفع رفاعة عينيه الى البيت لكنه رآه مظلما كالسماء . ولاح شبح في نهاية السور فتساءل حندوسة :
-المعلم خنفس ؟
فأجابه الرجل : نعم.
وانضم الى الرجال دون كلام . وظلت عينا رفاعة مرفوعتين نحو البيت . ترى هل يدري جده بحاله ؟ ان كلمة منه تستطيع ان تنقذه من مخالب هؤلاء الجبارين وترد عنه كيدهم . انه قادر ان يسمعهم صوته كما اسمعه اياه في هذا المكان . وجبل وجد نفسه في مأزق مثل مأزقه ثم نجا وانتصر . ولكنه جاوز السور دون ان يسمع شيئا سوى وقع اقدام الجبارين تردد انفاسهم . واوغلوا في الخلاء فثقلت خطواتهم فوق الرمال . وشعر رفاعة بالغربة في الخلاء وذكر ان المرأة خانته وأن الاصحاب لاذوا بالفرار . أراد أن يلتفت الى الوراء صوب البيت لكن يد بيومي دفعته في ظهره بغتة فسقط على وجهه . ورفع بيومي نبوته وهتف :
-معلم خنفس ؟
فرفع الرجل نبوته قائلا معك الى النهاية يا معلم .
وتساءل رفاعة في يأس :
- لماذا تبتغون قتلي ؟
فهوى بيومي بنبوته على رأسه بشدة فصرخ رفاعة صرخه عالية وهتف من أعماقه : "يا جبلاوي"


من رواية " أولاد حارتنا " نجيب محفوظ
المعروف عنها اتهامه بانه جسد الله والانبياء في رواية
ومن ثم محاولة اغتياله
شكرا يا استاذ على التحفة دي
وكل سنه وانتم طيبين

ليست هناك تعليقات: