اليوم مر عامان على بداية تجنيدي ، يوم الترحيل.
كانت الليلة الثانية التي أشهد في كلية الضباط ، وكنا قرابة الخمسمائة لم ننته من تسلم ملابس الجيش (المهمات) بعد ، نقف صفًا لنتسلم قطعة من الملابس ثم نقف مجددًا لتسلم القطعة التالية ، وهكذا قرابة الست ساعات.
كنا قاربنا على الإنتهاء من جميع الملابس عند منتصف الليل أو بعده بقليل عندما نازعت لإحتلال مساحة ضئيلة من الرصيف حتى أجلس عليها بدلاً من الجلوس على الأرض مباشرة ، تمنيت أن تغفل عني عيون الرقباء مشتعلي الحناجر لوهلة أبسط فيها ظهري الذي كاد ينقسم من حقيبة فيها ما يلزمني لأربعين يومًا أحملها ليومين عدا ثلاث ساعات نمتهم الليلة الماضية. نظرت للسماء ، أغمضت عيني ، نمت ، وحلمت بأحد الرقباء يمسك وعاء من الماء يقذفه نحوي ليوقظني فنهضت فزعًا ، وكل ذلك في مدة لا تتعدى بضع دقائق.
***************
كان إدخال الهواتف المحمولة صعبًا وخاصة في البداية ، وكانت وسيلة الإتصال بالعالم الخارجي تتلخص في ست هواتف "ميناتل" يقف أمام كل منها صف يلزم الوصول لأوله وقتًا أطول من وقت الفراغ المتاح ، فإن أردت أن تجري إتصالاً عليك أن تأتي في وقت غير متوقع وكان الصباح الباكر في العادة ، كنت أنتقي مطبقي خاصية (الرينج تون) لأكسر الرتابة البشعة التي كنت أجدها في الموسيقى العسكرية حتى أصبحت عادة صباحية مقدسة تعينني على إتمام يومي.
***************
"بقالك سنتين في الجيش ولسه وشك مخطوف ليلة السفر؟!" إكتفيت بالإبتسامة ردًا على صديقي ، قد أصاب كما لم يفعل من قبل ، لازالت نفس الحالة تنتابني ليلة السفر ، وخاصة مع الخريف والشتاء. يصل الشعور بالوحشة إلى قمته مع الخروج من المدينة المظلمة النائمة في ساعات الليل الأخيرة موعد سفري المعتاد ، أودعها ، أرى تفاصيلاً جديدة ، أتذكر ما نسيت وما علي فعله ، أتندم ، أخطط ، ثم أستسلم للنوم.
***************
عولت كثيرًا على تأكيدات أحد الأقارب واثقًا من وساطته بأنني سأٌقضي مدة خدمتي بالأسكندرية ، وسافرت للقاهرة لأتسلم رسميًا مكان الخدمة وصعقت لما وجدته في القاهرة ، تحركت صوب المكان المنتظر مع اثنين من الزملاء ولأنهم من سكان القاهرة فقد رحلا فور وصولنا على أن يعودوا في اليوم التالي وبقيت أنا ، إستلقيت على سرير غاب صاحبه مصدومًا أحاول إستيعاب ما يحدث ، دخلت في دورات من النوم واليقظة حتى غاب النوم تمامًا حوالي الواحدة صباحًا ، أكره إنهيار الخطط وأخشاه ، أشعر كالتائه في الصحراء ، لا يثق في رؤيته إن كانت حقيقة أم سراب ، والماء ينفذ ، عليّ التخلي عن خططي وإيجاد خطط بديلة في وقت حرج وظروف غير مهيئة ، تكاد رأسي تشتعل ، نصحني صديق إذا إشتدت بي أن ألجأ للبكاء ، قال ان البكاء ينتقل بصاحبه من مرحلة لأخرى ، يفرغ الطاقة المكبوتة فقررت أن أبكي ، لم أشعر بحاجة للبكاء منذ بداية تجنيدي ، يبدو إن فساد خططي أشد وقعًا من أي شيء عليّ ، حاولت ولم أستطع كأنني نسيت البكاء ، بحثت في هاتفي عن موسيقى تحفز دموعي ، فشلت العديد من المقاطع ، قاربت على اليأس حتى أصابت أغنية حواديت لمحمد منير الهدف ، ظللت أبكي حتى بعد صلاة الفجر ، واصبحت في أحسن حال.
هناك 3 تعليقات:
أمممممممممممم
ياااه سنتين معقول
انا فاكر البوست دة و كأنه أنبارح
مش قصدى تقليل من مدى تُقل مرور الوقت عليك بس مصدوم
نصيحة صديقك جميلة لأنها صح
ربنا معاك و تخلص الجيش على خير
فاضل سنة صح
فات الكتير .. و ما باقى إلا الكتير برضه ((:
أوعى تضايق انا بهرج بحاول أكسر حُزن البوست
سلام مؤقت لميعاد البوست اللى جى
?
شفت بقى الزمن :) أنا الوحيد اللي حسيت بيهم
وفاضل 5 شهور بس عشان هم سنتين ونص ودخلنا متأخر شهر
تحياتي :))
إرسال تعليق