الاثنين، 15 ديسمبر 2014

السبوبة

فوضى البناء في مصر وصلت لحد الجنون فعلا ، عدم التخطيط و العشوائية دي هترجع مجتمعاتنا للعصور الوسطى بدون مبالغة  ، وخصوصًا في الإسكندرية ، لازم تعرف ان كل ساكن زيادة لازم يبقى معمول حسابه وليه نصيب في سعة المنطقة من الميه والكهرباء والصرف و النقل ، كل ساكن زيادة بيعمل خلل في منظومة شايلة نفسها بالعافية أصلا ، و هتنهار فوق دماغنا لو استسلمنا لجشع حلف المقاولين و موظفي المحليات ، لازم تتحول جريمة لا تسقط بالتقادم ، لازم يدفع المقاول دم قلبة تعويض للدولة عن تهالك كل شبكات المرافق و حاجتها لمبالغ كبيرة عشان تتجدد ، لازم كل محافظ ساوم على القانون يتجاب ويتحاسب ، مش هنناشد حد ، كلهم المسؤولين عن الوحلة اللي احنا فيها دي ، محدش فيهم ليه عازة أصلا.

ناخد الإبراهيمية كمثال :

هنتكلم عن حتة كلها مساكن ، من سور كلية هندسة لسور نادي سبورتنج ، ومن شارع ابو قير للترام ، الحتة دي مساحتها حوالي 0.6 كم مربع.



مثلاً نقول ان 50% من المساحة دي للسكان فعلا والباقي خدمات وطرق ، يبقى المساحة حوالي 0.3 كم مربع ، اللي هي 300000 متر مربع ، ممكن نقسمها ل 250 عمارة كل عمارة 1200 متر مربع : 250*1200=300000
يبقى عدد السكان في الحتة دي تقريبًا= 250عمارة *6 شقق(كل واحدة 200 متر)*4 أفراد (متوسط) *4 أدوار (المفروض يحصل) = 24000 واحد.
كده الكثافة السكانية المفروضة في الابراهيمية = 24000/0.6=  40000 فرد/ كم مربع 
طبعا ده رقم مخيف ، ده يساوي تقريبًا الكثافة السكانية في منهاتن في نيويورك ، بس اللي بيسهل الموضوع في الابراهيمية انها محاطة بكليات ومدارس من ناحية ومن ناحية بالنادي فلو اتقسم السكان على المساحة دي كلها بيدي رقم أقل ، ونقدر نقول دي القدرة التصميمية للمكان ومش هيستوعب اكتر من كدة.

لكن الأزمة ان محدش ملتزم بالأربع أدوار ، طب تعالوا نجرب نزود دور في كل العمارات نشوف هيزيد كام واحد.
الأفراد الزيادة = 250عمارة*1 دور*4 أفراد = 1000 فرد.
1000 فرد زيادة في كل تصريح بدور أعلى في الإبراهيمية.
الفرد  في القدرة التصميمية لشبكة الصرف مثلا نصيبة 200 لتر صرف في اليوم ، يعني كده شبكة الصرف من الإبراهيمية لمحطات المعالجة للمصبات المفروض تزيد بسعة 1000*200= 200000 لتر زيادة
ونفترض برضه ان ال 250 دور عندهم 200 عربية فده يحتاج ان الطرق توسع ويضاف ليها = 200*3م*4م = 2400 متر مربع زيادة في الطرق ، بين انهم يلاقوا مكان يركنوا ويتحركوا.
وزيها الميه ، و شبكات المحمول ... الخ الخ

الفكرة ان العادي بقى 13 دور ، يعني اضرب الحِسبة دي كلها مش في دور ، في 9 أدوار زيادة ، وفجأة تظهر المشكلة ، ونطالب الدولة بالحل ، ونبوس على إيد الناس اللي كانوا بيتساهلوا مع المقاولين وبياخدوا منهم رشاوي انهم يصدقوا بإيديهم النجسة على إعتمادات توسعة شبكة الصرف ، بدل ما ناخد دماغهم نحطها في المجاري اللي طافحة ، اللي ريحة فسادهم بقت أسوأ من ريحتها ، انقذوا نفسكم.

الأربعاء، 6 أغسطس 2014

الأركان العلوية الأربعة ج3







الجزء الأول
الجزء الثاني


إقتادوني الى محل قديم يجلس في آخره رجل مسن ، لم ألتفت إليه ، وصرخت موجهًا حديثي لمن يمسكون بي "لن أترككم يا حثالة!"
"أتركوه." قال المسن.
تركوني وظللت واقفًا محتضنًا الساعة كما أمسكوني ، أنظر حولي ، المحل مجلد بخشب داكن اللون مهتريء الحالة ، تنتشر عليه الساعات و صور مسيحية مختلفة ، مكتب تقبع أدراجه تحت ألواح زجاجية تكشف ما يحتويها من ساعات ، وعليها تلفزيون صغير أحمر اللون له هوائيان ، يجلس من خلفه المسن موجهًا حديثه إليَّ.

المسن: "من أنت؟ ومن أين أتيت بتلك الساعة؟"
أنا: "وما شأنك؟"
المسن: "الساعة التي تحمل هي لسيدة تسكن في القريب ، سأبلغها بسرقتك."
أنا: "أنا أسكن لدى السيدة مارجريت ، وكنت أحاول إصلاح الساعة لأهديها لها."

نظر المسن إليَّ مدققًا لوهلة ، كأنه يختبر صدقي ، ثم وقف وأخرج الجميع من المحل بعد أن وجه لهم الشكر ، في تلك الأثناء وقعت عيني على ساعة معلقة  تشبه الساعة التي أحملها بالضبط لكن بدون السن المدبب والترس الخلفي الكبير ، وقف المقدس جورج بجانب ساعته حيث تستقر عيناي ، وقال : " ليست ساعة حائط ، في الأساس هي ساعة خاصة بالأماكن العمومية كرصيف القطار أو الميادين لذا ترى جودة صناعتها ومتانتها من الداخل ، جلبها جيوفانيني ، الإيطالي الذي كان يسكن لدي مارجريت ، والده كان متخصصًا في ساعات الأماكن العامة ، أهداني الثانية لما إستطعت أن أدخل له التعديل الذي طلب على الساعة التي في يدك ، لم أفهم السبب ، لكنه طلب أن أغير له أماكن التروس و إضافة ترس كبير بدلاً من المجموعة الخاصة بتحديد التاريخ ، عذرًا يا بني للجلبة التي حدثت ، لكنك مررت عليّ و في يدك ساعة أعدت تصنيعها بيدي ، ولن تمتد لها يد غيري ، كان يجب أن أوقفك ، أعطني الساعة وسأصلحها كما فعلت مع جيوفانيني قبل سنوات."

لم أشعر بالغضب تجاه حيلته! الأهم أن لغز الساعة سوف يُحل ، تركتها من يدي للمقدس جورج عندما حاول أخذها وبدأ إصلاحها ، جلست أشرب القهوة التي طلبها لأجلي ، كنت أتابع الأحداث في رأسي منذ أن أتيت للشقة ، لازالت صناديقي وحقائبي مغلقة ، لم أنجز أي شيء في المهمة التي أتيت من أجلها ، لكن الفضول يقتلني ، من جيوفانيني؟ و لمن التماثيل ، ولماذا يضع ساعة في نجفة! ، لم أجد إجابة لذلك من المقدس جورج لما سألته ، نمت البارحة ساعتين بالكاد ، أعاني صداعًا قاسيًا ، لكن الشغف أكبر.

لم يطل إصلاح الساعة وأخذتها في يدي عائدًا ، هاتفت بكر وطلبت منه أن يأتيني الشقة ، ركبت الساعة بسهولة ، مع فتح المصباح يسقط ظل السن المدبب على السقف ، كأنه عقرب لساعة كبيرة هي السقف بكامله ، جاء بكر ، وضعت في يده خمسين جنيهًا.
بكر : يا الله ، لم تجد الكاميرا فقط.
أنا : أريد أن أعرف كل شيء عن جيوفانيني هذا والشقة العجيبة تلك.
بكر : قبل أي شيء عرفت من الساكن السابق انه عليك الإنتظار ل 23 سبتمبر حتى تضع الساعة.
أنا : قبل الساعة ، أود أن أعرف كل شيء عن جيوفانيني.
بكر : لا أعرف أكثر من كونه فنانًا إيطاليًا كان يعيش هنا ، والبعض كانوا يلمحون عن علاقة بينه وبين رزقة.
أنا : أين متعلقاته ؟
بكر : قد تكون هنا أو بالغرفة السفلية في مدخل البيت.
أنا : إبحث أنت بالأسفل ، وسأهتم أنا بما تحويه الشقة.


خرج بكر وبدأت أنا في البحث ، أي ورقة ، صورة ، أي شيء قد يفيد في فك لغز جيوفانيني ، تحدث بكر عن علاقة بينه وبين رزقة ، ربما تكون هي صاحبة الصورة في النيجاتيف ، و ربما أن تكون السمراء صاحبة المنحوتة التي تحمل السنابل ، ربما لا تعرف بوجود التمثال ، لا أستطيع أن أخمن شكلها وهي شابه لكي أقارن ، وهذا يعني وجود ثلاث نساء أخريات ، ما قصتهم؟ ، ماذا كان مصير جيوفانيني؟ وما دلالة الساعة في النجفة؟ والظل الواقع على السقف؟ وما قصة الساكن السابق؟ ولماذا 23 سبتمبر؟ مهلاً هذا يعني أن للساكن السابق محاولات لفك اللغز أيضًا ، ماذا حدث له؟
صوت طرقات على الباب ، لابد أن بكر وجد شيئًا مثيرًا ، إنتفضت أفتح الباب ، وجدت الجميع ، عابد و رزقة تستند إليها السيدة مارجريت وبكر واقفًا في الخلف.
ذهلت من الصدمة ، الآن عرف الجميع أني وجدت التماثيل ، والساعة والكاميرا ، رأت رزقة تمثالها ، لا أجد كلامًا لأقول.

أجلست رزقة السيدة مارجريت على الكرسي القريب ، ضحكت مارجريت ضحكة ساخرة وبدأت في الحديث " إرتبنا من بحث بكر في الغرفة السفلية ، فعرفنا منه كل ما حدث ، ماذا أفعل لهذه الشقة؟ لم يكمل يومه الثاني بعد ، ووجد كل شيء ، لم يعد في مصر كلها من ينظر للفن و الإهتمام بالتفاصيل بنظرة غير الريبة ، لم يعد يصدق أن أحدًا يبذل مجهودًا بلا طائل مادي ، حتى من يفترض كونهم فنانين ، كل ما ترى صنعه جيوفانيني ليعرف أين يضع سريره! ترى أركان الغرفة الأربعة الفضاء ، هذا يجعلها توفر ركنًا دافئًا في البرد ، هناك بجوار الغرفة الصغيرة ، وركنًا مقابلاً لطيفًا في الصيف تحت النافذة ، فكان جيوفانيني يغير موقعه على أساسه ، التماثيل الأربعة تمثل فصول السنة الأربعة ، وهي منحوتات شهيرة ويوجد منها نسخة في حدائق أنطونيادس بالإسكندرية ، حاملة العنب تمثل الخريف ، وصاحبة السنابل هي الصيف ، والمتغطية بالرداء هي الشتاء والممسكة بالزهور تمثل الربيع ، و يوجد خطأ في تركيب الساعة بالتأكيد ، تركيب الساعة لابد أن يكون في سنة غير كبيسة وفي أيام بدايات الفصول ، ترسها الخارجي من 365 سن كأيام السنة ما يجعل المصباح يدور حول السن المدبب دورة كاملة كل سنة ، ظل السن المدبب لابد أن يشير بالقرب من صاحبة السنابل لأننا في فصل الصيف ، إذًا فالمكان الأفضل للجلوس في هذا الوقت هو أسفل التمثال.
أضطررنا لإخفاء كل تلك التفاصيل لما ظن ساكن سابق ان جيوفانيني كان ساحرًا و المكان مسكون ، لكن فن جيوفانيني كان يصرخ خلف الحواجز ، لأن عمل كهذا لا يصح أن يتوارى على الإطلاق."

شعرت بالصدمة ، بالخواء ، إحمر وجهي وجحظت عيناي ، زاد ضغط الدم ، وتوحش الصداع كطرقات شواكيش ، أحسست بأني لم أنم منذ قرن ، تجولت عيناي بين أعمال جيوفانيني ، نزل الجميع وتركوني على حالتي ، نقلت السرير تحت حاملة السنابل ، و نمت.








الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

الأركان العلوية الأربعة ج2




الجزء الأول
الجزء الثالث

لم تمض بضع ساعات حتى كانت الأقماع في أركان الغرفة الاربعة قد أُزيلت تمامًا لتكشف عن تماثيل نصفية عارية لأربع نساء متبايني الملامح كل منهن تأتي بفعلٍ مختلف ، فالأولى رقيقة أوروبية الملامح  تمسك بزهور بين راحتيها تستعد لتنفخ فيها بفمها الصغير لتنتشر في الغرفة ، وأخرى ذات شعر مموج وعيون واسعة وأثداء مشدودة ، تبدو نظراتها في غاية الشهوانية و هي تلتقط بفمها ثمرة عنب من عنقود تمسكه ، و الثالثة لها ملامح حادة ، ونظرة جافة توحي بالقوة ، تمسك رداءً تغطي به كتفيها ، أما الأخيرة فإفريقية الملامح ، تنظر بكثير من الحب للسنابل التي تحملها ، التي عليّ أن أجد وسيلة لألصقها الآن.

نمت ساعتين فقط رغم إرهاق الليلة الماضية ، لم أستطع الإنتظار طويلاً تاركًا التمثال المكسور على حالته.
تجولت في المنطقة للمرة الأولى ، لم أبتعد كثيرًا لأجد محلاً قد يبيع لي اللاصق.
أنا : أبحث عن لاصق قوي من فضلك.
البائع : ماذا ستلصق به؟ لدي لاصق للبلاستيك ولاصق للمعادن.
أنا : حسنًا أعطني لاصق المعادن.
تذكرت إني رأيت لاصق المعادن يستخدم لدينا في المنزل قبلاً ، أتمنى أن يفي بالغرض.

أخذت اللاصق وإستدرت لأجد بكر خلفي ، بكر هو أحد أبناء عم عابد ، يبلغ حوالي سبعة عشر عامًا ، طويل ونحيف ذو بشرة سمراء ، حاول التلميح لي من قبل إنه يسهل كل شيء ويقضي كل المهام ، بعد أن إشترى شيئًا لم أتبينه قال لي : أراك قد وجدت الكاميرا بسرعة.
أنا : أي كاميرا؟!
بكر : إعلم أولاً إني في صفك ، و ها أنا أبدي حسن النية ، الكاميرا التي وجدت أعلى السلم تحتاج بعض الصيانة قبل لصقها ، وهذه الورقة بها رقم هاتفي.

تركني مذهولاً وذهب.

بجوار باب الشقة يوجد سلم ضيق يقود لسطح المبنى ، وجدت في آخره بالفعل أشياء ملقاه منها كاميرا "زينيت" سليمة المتن لكن عدستها مفصولة و مكسورة من الداخل ، وساعة حائط كبيرة فقدت غطاءها الخلفي ما عرض تروسها للأتربة.
نزلت بهما الى الشقة ، إنتهيت من لصق الجزء المكسور من التمثال ، ثم صنعت بعض القهوة ، ولففت سيجارة وجلست أنظر للكاميرا ، كان والدي يملك واحدة مثلها ، صناعة سوفيتية ، لابد انها سقطت من إرتفاع حتى تنكسر ، ليست ذات أهمية كبيرة لي ، سوى إمكانية إصلاحها وبيعها ، أما الساعة فشديدة الغرابة ، يخرج من وسطها بين القارب سن مدبب ، تروسها كبيرة ومشحمة ، أكبرهم ترس بكامل إستدارتها من الخلف ، يوجد على إطارها الخارجي آثار لحام ، ربما تباع هي الأخرى ، البعض يلقي ما لا يدرك قيمته.

بعد لصق التمثال صرت جاهزًا للبدء في التدريب ، أخرجت من حقيبتي النوت الموسيقية ، يكفيني ما أضعت من الوقت ، بعض الإيقاعات الجديدة تحتاج ساعات من التدريب المستمر ، تذكرت شيئًا ، أمسكت الكاميرا ، بدأت أعبث بها ، لا أذكر كيفية فتحها ، حاولت حتى تمكنت الوصول لقلبها ، كنت صائبًا ، يوجد بها نيجاتيف لم يكتمل إستخدامه ، فتحت النافذة ورفعته لمستوى نظري لأتبين الصور الموجودة عليه ، ثلاث صور ، الأولى لرجل يقف في وسط حديقة يها تماثيل ، والثانية لنفس الرجل ومعه على ما يبدو إمرأة عارية داكنة البشرة ، والأخيرة للنجفة في الغرفة التي أعيش بها ، بنفس شكلها الحالي لكن مضاف إليها الساعة التي وجدت قبل قليل.

كالعادة لم يترك فضولي فراغًا لأفكر في شيء آخر ، أخذت الساعة و تجولت في الشارع بحثًا عن من يصلحها ، وأنا أعتصر عقلي لأخرج بجدوى تركيب الساعة في نجفة ، وعقاربها لأسفل ، لا يمكنك تبينها إلا إذا نظرت إليها من الأسفل ، مكان غريب لساعة ، بدأ الصداع يضرب من جديد ، قضيت نصف النهار أتجول في الشارع والشمس في أقوى فتراتها ، والتفكير في ما وراء تلك الساعة يكاد يقضي عليّ ، نشط الصداع في رأسي مجددًا ، أكاد أستسلم ، يبدو أنني سأعود لأنام قليلاً وأستكمل البحث فيما بعد.
أحسست بيد تمسك كتفي ، نظرت خلفي لأجد شخصًا يصرخ "أيها اللص" ، صدمت و صرخت فيه بدوري "ماذا تقول أيها المعتوه؟!" رد موجهًا حديثه للمارة "لقد سرق ساعة المقدس جورج.


.... يتبع


  "


الاثنين، 4 أغسطس 2014

الأركان العلوية الأربعة ج1




الصورة من ألبوم Mustafa Elhabashy

الجزء الثاني
الجزء الثالث

أخيرًا أُنجزت المهمة ، وجدت مكانًا مناسبًا للإقامة ، نقلت كل ما إستطعت لأبدأ مرحلة جديدة من الإقامة الطويلة بالقاهرة بخلاف السنوات الثلاث الماضية من الإقامة لفترات قصيرة متقطعة. العثور على هذا الشقة إنجاز بكل المقاييس ، شقة وحيدة في طابقها ، والطابق أسفلها خالٍ من السكان ما يناسب صخب حياة عازف "درامز" يقضي أغلب الليل في العزف والتمرين ، قريبة من أماكن سكن و تسجيل الأصدقاء مما يوفر عناء الإنتقالات ، إيجار بخس بالنظر الى موقعه في قلب مصر الجديدة بميدان الإسماعيلية ، لا يوجد في البيت إلا عائلة عم عابد حارس العقار في الطابق السفلي والسيدة صاحبة البيت وخادمتها رزقة في الطابق الأول ، أحسست معهم جميعًا بمودة حتى العجوز صاحبة البيت التي رأتني على باب شقتها فأومأت لعم عابد موافقة وإستدارت دون أن تنبس ببنت شفة ، وكان بمثابة إمضاءها على عقد الإيجار ، لم يتبق بعد هذه الإيماءه سوى بعض التفاصيل إتفقت عليها مع عم عابد.

أغلقت بابها علىَّ للمرة الأولى ووجدت في أحد أركانها كرسي هزاز قررت إلتقاط أنفاسي عليه ، يبدو حقير الهيئة من بعيد لكنه متين ، مشغول بالصدف في تكوينات سداسية بديعة ، أو ستبدو بديعة بدون تلك الطبقات المتحجرة من الأتربة ، رفعت قدمي على المنضدة الصدفية الصغيرة المشغولة بنفس التكوينات ، وأسلمت رأسي لمسند الرأس وإفتعلت هزة صغيرة محاولاً الإسترخاء قبل عملية تفريغ الحقائب والصناديق التي تتراكم فوق بعضها أمامي ، تظهر في وسط السقف دائرة مزخرفة بنجوم بارزة ، من أطرافها تتدلى ثلاث سلاسل تمسك دائرة حديدية جوفاء معلق فيها دائرة أخرى أقل سمكًا مسننة من الداخل ومثبت عليها من الأسفل قواعد مصابيح مكسورة جميعها عدا واحدة فقط يشع ضوء مصباحها خجلاً بين الأتربة ، وفي أركان السقف الأربعة نهايات مخروطية الشكل تهبط على أربعة أعمدة يظهر ربع دورانها فقط حتى يتوارى في الحائط.

الشقة مقسمة على نحو عجيب ، هي غرفة واحدة واسعة ، وغرفة أخرى ضيقة ، وحمام و مطبخ ، لن أستطع إذًا تركيب الطبول إلا في الغرفة الكبرى ، لكن على أولاً أن أدفع الدولاب في طرف الغرفة بدلًا من وسطها لأحقق الإستغلال الأمثل للمساحة ، لكن كيف أنقله ، وهو ثقيل كحجر سيزيف!
بدأت أفصل أجزاءه عن بعضها ، أزلت أولاً القطع العرضية وبدأت الدفع بلا فائدة ، ففصلت الأبواب أيضًا و دفعت بكل قوتي حتى أحسست بالدماء تندفع في رأسي ، يؤلمني الصداع كنبضات تزداد مع الدفع ، بدأ يتحرك قليلًا وأنا مستمر في الدفع ، وفجأة سمعت صوت كسر ، نظرت فزعًا لأرى جانب الدولاب قد مال ساقطًا على المخروط في جانب الحائط وتركه مكسورًا.

رفعت هذا الجزء اللعين من الدولاب ووضعته جانبًا ، وأخذت أجمع أشلاء المخروط من الأرض ، يا إلهي! أهكذا يسير أول أيامي هنا؟! كيف سأصلحه؟! لابد أن أستعين ببعض الأصدقاء هنا ، ماذا لو لاحظ أحد الكسر الذي فعلت؟! لابد أنهم سمعوا الصوت و سأسمع طرقاتهم الآن.
وجدت شيئًا وسط أجزاء المخروط ، قطعة صغيرة مصنوعة من مادة حجرية ، قطعة من سنبلة قمح ، نظرت الى أعلى ، للجزء المكسور في القمع فوجدته يخفي تحته شيئًا آخر لابد أن تلك السنبلة قطعة منه!


..... يتبع






الثلاثاء، 10 يونيو 2014

جدل







ترتبط لدي ايام الصيف الحارة بالنوم المتقطع ، أُنهي يومي عادة حوالي الخامسة عصرًا فلا أجد مستقرًا بعد الحرارة والغبار وقذارة البشر والأماكن سوى في سرير ، أنام في وضع غريب نسبيًا ، نصفي العلوي على جانبي الأيمن ونصفي السفلي على بطني ، لا يمثل وضعًا محددًا ، ليس جنينيًا ولا على الوجه ، تمامًا كنفسي ، لست أمثل نموذجًا منتشرًا. بالنظر للجانب المشرق يقول صديقي ان وضعي وأنا نائمه شديد الإغراء ، طالما أيقظني لنمارس بعض الحب.


أحبه ، أحب نفسي بين يديه ، أحب الوقت الذي أقضيه معه وبرغم انني أكره المجتمع الذي جمعنا فإنني أتمنى أن نشهر علاقتنا على طريقته ، لا أنكر إنني كثيرًا ما أشعر بالذنب بالرغم من إنني أدعي هجري للعقلية الفاسدة المسيطرة على مجتمعي الرخيص.

كنت نائمة ، إستيقظت على أزيز مروحة السقف الممل وصوت متكلم عبر التلفزيون ، أطلت النظر إلى خالد بجانبي لأستوعب ما يحدث ، حسنًا فاليوم يتسلم السيسي السلطة رسميًا وهذه بروتوكولاتهم الخالية من المضمون.
أحسست بشعاع شمس من النافذة على ساقي ، بدأت أخمن في أي ساعة نحن الآن ثم تذكرت أن الساعة تأخرت ، نظرت لشاشة التلفزيون مجددًا فرأيت طنطاوي ، سألت خالد فأكد لي المعلومة "كل شراميط المرحلة الوسخة ملمومين يحتفلوا"
نظرت لفخذي وشعاع الشمس جعل الخطوط فيه واضحة ، وقفت ، نظرت في المرآة عليها لأتفحصها ببعض الحسرة ‘ أجاب خالد الذي أراه في أقصى يمين المرآة
"إنتي زي القمر على بعضك بتبصي على أيه؟!"
أنا: " خالد ، هو أنا شرموطة؟!"
تنهد خالد وإعتدل في جلسته كفيلسوف اغريقي وقال: "لو أنتي شرموطة يبقى أنا كمان شرموط."
أنا: طب إحنا كده شراميط؟!
خالد: مالك؟ فيه إيه؟!
أنا: مفيش يا أخي رد عليا.
خالد: حاضر بس قوليلي الأول؟ قصدك ايه بشرموطة؟
أنا: شرموطة يا خالد ، رخيصة ، انك عايزني بس عشان واحدة قابلة تنام معاك من غير جواز وإلتزامات ، انك وسخ عشان يوم ما تفكر تتجوز عمرك ما هتتجوزني وكل كلامك ده كذب ، انك بتستغلني!
خالد : اهدي جرالك ايه؟!بالراحة.
لا انتي مش شرموطة طبعًا.
تعالي ناخد الموضوع من الأول ، أنا لو عايز سكس وخلاص هعرف اتصرف فيه بسهولة من غير ما اتشتم واتهزق وعلى الأقل اسمي باجدد عشان مزهقش.
وبعدين مين اللي تصرفه غير أخلاقي سواء ست او راجل؟

 حد بيبيع مشاعره وجسمه عشان الفلوس وانت مش بتعملي كده ، او حد موجه مشاعره وجسمه لأكتر من حد في نفس الوقت ودي خيانة وغش وانتي مش بتعملي ده برضه على حد علمي ، المجتمع عشان ينظم العملية ويقلل النموذجين الغلط عمل شوية بروتوكولات وقواعد قيدت الجواز اكتر من الطبيعي واداها قدسية وقانونية لدرجة انها بقت عراقيل الناس بتغلس على نفسها بيها وبيعايروا بيها بعض.
مش كنتي لسة بتضحكي على البروتوكولات بتاعة السيسي؟! مش كنتي دايمًا بتتكلمي عن التمرد على بركة الخرا اللي احنا عايشين فيها؟! ايه اللي جرالك؟ احنا بنرجع الشيء لأصله ، بنتحرر من القيود المفروضة على الإرتباط والإنفصال ، العقود والأوراق دي عمرها كام سنة أصلاً؟ انتي أشرف ألف مرة من واحدة بتلسن عليكي عشان نفسها تعمل زيك ومش قادرة ، أو واحد نفسه فيكي ومش طايل ، إحنا عايشين وسط عجزة ماسكين خناجر بيطعنوا بيها فينا عشان يداروا عجزهم ، كلميني عن الناس اللي بيضغطوا عليكي دول؟ صاحبتك هاجر اللي مقاطعاكي ، كلميني عن نجاحها العملي العظيم؟ كلميني عن السعادة العبيطة اللي باينة على وشها في الصور؟ قوليلي كام مرة دخلتي على امك لقيتيها بتعيط كل ما ابوكي يعمل فيها فصل بايخ.
 اللي مضايقينك دول هم اللي شراميط وقحابي بيجيبوا اللي فيهم فيكي.
إنتي صح ، إجمدي.

أكره ضعفي ، لم أكن أواجهه أثناء الحديث ، كنت أجلس على حافة الفراش ، أمام المرآة أنظر وجهي الشاحب القريب ووجهه المنفعل البعيد خلفي ، أحبس عيون ماء على وشك أن تنفجر من عينيّ ، الأغاني الوطنية مدفوعة الأجر والرقص الهيستيري الذي يبثه التلفزيون يبعث عليّ بالضيق أكثر ، لكني لا أقوى حتى على إطفاءه ، قلت لنفسي اليوم ما قاله لي خالد قبل قليل لكنه لم يكن بالفعالية المطلوبه ، أحتاج لسماع الحديث منه ، ان كان يكذب عليّ فإن نتيجة تصديقي تأتي في صالحه أيضًا ، أعرف ذلك ، لكني لا أستطيع إلا أن أصدقه وأستند عليه.

أُصاب بهذا الإنهيار كل فترة ، بدأت أتعود تكراره كما تعتاد أي أنثى دورتها ، تأتي دائمًا كلمات التشجيع التي أسمعها من رجلي القريب كترياق لجسد سقيم يبدأ بعدها في التعافي حتى يتساقط مجددًا طالبًا لجرعة جديدة ، يومًا ما سأطلب الدعم وسيرد طلبي بحجج واهية ، لابد أن أبدو قوية ، هل أستطع؟

لماذا نوضع تحت كل هذه الأطنان من الضغوط؟ لماذا يبحث عن شقاءنا من يفترض أن يهتموا لراحتنا؟ لم يتلذذ البعض بذل الآخر؟ لماذا تزدوج المباديء والمعايير؟ أي فعل أسود إرتكبت في حياتي السابقة حتى ينتهي بي الحال إلى هنا؟

إقترب خالد مني ، إحتضني من الخلف وأخذ يقبل رأسي وكتفيّ ، أحب توقيتاته جدًا ، لكني أقاومه! وأقاوم نفسي معه ، وهو على مثابرته ، المراسلة من ميدان التحرير تفيد بوجود حالات تحرش فردية لكنها لم تفسد فرحة الشعب برئيسه ، وخالد يثابر ، والشعب يرقص ، ثم ينتقل المشهد لمذيعة الأستوديو لتبرر حادثة التحرش بان الناس "مبسوطين"
أفقد السيطرة ، تنزل دمعة ثقيلة من عيني كقطرة شمع ، أستدير ، أعطي ظهري للتلفزيون وأواجه خالد ، أدفن وجهي في صدره وأمسح دموعي.




الجمعة، 14 مارس 2014

خلصت جيش!


مداخن من تصميم المعماري الأسباني أنتوني جاودي



كده ببساطة ماسك قلم في ساعة متأخرة من آخر ليلة بقضيها في فترة التلات سنين العارضة على حياتي و هرجع أكملها عادي.


وبعيد عن كل الصعبانيات اللي كنت بكتبها طول الفترة دي والكآبة اللي كان بيشوفني فيها أهلي وأصحابي - وبعتذر ليهم عنها - هتكلم عن الجانب الجيد ، لما لقيت نفسي متوزع في القاهرة بعد ما عديت فترة الكآبة حطيت خطة أستغل بيها الوقت من كل النواحي وإتنفذت بنسبة تزيد عن 75% يعني جيد جدًأ. :)

على مستوى الخبرات أنا قصدت أدخل في تحديات صعبة على شخصيتي جدًا وفشلت كتير ، وأرجع أدخل تاني وتالت لدرجة اني يأست في فترة لقيت ربنا بعتلي أكتر من واحد من جوه الجيش يقولولي ان أنا عرفت أتعامل في المواقف اللي أنا كنت مقتنع اني فشلت فيها بس ادتني دفعة معنوية كبيرة ، وآخر شهر بالذات عملت حاجات مش مترتبلها بطريقة أذهلتني شخصيًا.

على مستوى الثقافة العامة قريت كتب كتير و ذاكرت مواضيع كتير كانت على الليستة بقالها كتير وعملت ثقافة سينمائية كويسة.

على مستوى المجال العلمي قريت كتب ومواضيع في المجال الهندسي كان مهم تعدي عليا ونجحت في أول إمتحان في المعادلة في الجامعة الأمريكية وبخلص حاليا دبلومة في إدارة المشروعات من جامعة عين شمس بالإضافة إني أعدت أحرت في اني أشتغل في مجالي (الهندسة المدنية) في مكاني لحد ما وصلت لكده في اخر سنة وإستحدثت الوظيفة دي للناس اللي هييجوا بعدي.


على مستوى الهوايات لسه كلها موجودة من الكتابة للمزيكا ، والمزيكا بالذات خدت مجهود كبير ، من واحد بيتمرن كل يوم وفجأة يبقى في أحسن الحالات يتمرن كل أسبوع ، لما كنت بمسك الجيتار بعد ما أروح ألاقي نفسي بغلط غلطات في الأساسيات ، ده خلاني أفكر كتير أسيبه وده يفسر الصور التشيزي اللي عندي ع البروفايل على غير العادة ، أيوة كنت بشجع نفسي عشان أكمل ، وكملت واتمرنت ووصلت للمستوى القديم وزودت عليه حتة كمان.

على مستوى اللايف ستايل إحتفظت بيه ثابت تمامًا بدون أي تغيير بحيث اني بنسبة كبيرة انهاردة نفس الشخص اللي كان داخل الجيش من تلات سنين.

قد كل الكآبة وشغل الفرافير - كأني الوحيد اللي دخل جيش في الدنيا في الفنرة اللي فاتت - قد إحساس النجاح والإنجاز اللي أنا حاسس بيه إنهاردة اللي كان تفريغ الضيق مهم جدًا ليه ، عشان ألاقيك بتطبطب عليا من غير ما أطلب منك ، ده غير فيديوهات كتير مسجلها لنفسي في فترات اليأس مش للنشر ، عشان تفضل معنوياتي عالية عشان أقدر أكمل المطلوب ويبقى من حقي اني احتفي بنفسي دلوقتي. 
اذا كان الجيش أول تحدي في حياتي العملية ، فأنا إجتزته.

الثلاثاء، 18 فبراير 2014

رباعية موجهة

حفل راقص في مولان دي لا جاليت - رينوار


فارق التوقيت ، هو المتهم بإفشال تلك العلاقة ، أدركت ذلك يوم أعدت دراسة الأمر. بدت الظروف مثالية من الخارج لولا إختلاف التوقيت ، جئتني فلم أفهم وجئتكِ فلم أحتمل. إعتقد كما شئت في توافق الفكر ، إقرأ في الأبراج ، إدرس الشخوص لكن إياك وإغفال عامل الوقت ، نستغرق وقتًا حتى نختمر وإلا لن نصيب المذاق المبتغى.
لا أعلم على وجه الدقة هل أعتذر أو أبتئس عندما أسترجع تلك الفترة ، لكن ما أعلمه تمامًا أنكِ تركتيني في فراغٍ موحشٍ ، ربما لم يأخذ وجودكِ طوره المناسب ، قُطفت ثمرته قبل أوانها ، لكنه وبلا شك إستأنس مكانًا نبيلاً في قدس أقداسي.

***********

لم تبلغ مدة تواصلنا الإنساني أسبوعين ، لكني أحببتكَ لدرجة أثارت عجبي ، عرفتكَ في فترة بلغ بي الضيق فيها مبلغًا صار معه الإحتمال عصيبًا ، وجدت معكَ نفسي في قلب التيه ، عهدتكَ سامع ما في باطني وقائله.
لم تعرف أن الموسيقى التي إخترتها لهاتفك كلما إتصل بك أحد كانت كفيلة بإسقاطي وأنا الذي أدعي الثبات ، مضت تلك الأيام وكلما تسرب لحنها إلى أذنيّ إسترجعت تلك المدة القصيرة العصيبة التي إستندنا فيها لبعضنا. كسبت في هذه الدنيا صديق جديد أود أن يخذل توقعاتي القدر ويبقيه قريبًا.

***********

 كدت أُضيف كيوبيد إلى لائحة معتقداتي الإيمانية يوم رأيتكِ ، إخترق قلبي سهمٌ نافذ زاد توغلاً كلما زدت بكِ معرفة ، كلما دققت في تفاصيلكِ رأيت النموذج الذي طالما بحثت عنه ، ولما قبلتِ وجودي ظننت إنها البداية السعيدة ، لكني إصطدمت بجوانب أخرى فيكِ أرهقتني ، بجانب الظروف المحيطة التي كانت تقترب من المثالية في وصف سوء الحظ.
أعترف بفشلي معكِ ، ربما لنقص في النضج ، أو في طغيان النظرة المثالية ، أو لقلة الخبرة ، أو سوء الحظ ، وربما جميع الأسباب لكني أود أن أكون على مسافة قريبة منكِ ما إستطعت.

***********

ما لا تعرفه يا صديقي أن أول ما جذبني إليك في أول حديث هو وجه الشبه بينك وبين أحد أبطالي المفضلين في الشكل و الطباع ، رغم إني رأيتك مدعيًا بضع مرات لم أنزعج أو أتبدل ، حتى جودة الإدعاء توضع محل تقدير حين تنعكس على الواقع. أراك كوصف المخرج الفرنسي جودار لأحد أبطال أفلامه ، أنت رقيق و قاسٍ ، حقيقي وسريالي ، مرعب ومضحك.
تعشق الأطر ، تصلب نفسك عليها ، تتحطم الأطر فلا تربح غير الألم ، فتعود إليها مجددًا. صديقي ; هون عليك.